تحقيقات و تقارير

«الجوسقي».. أزهري صفع نابليون على وجهه وقاد جيشا من العميان لهزيمة الحملة الفرنسية

خلال الحملة الفرنسية على مصر برز عدد من القيادات الشعبية واجهوا قوات نابليون بكل ما أوتوا من قوة وصبر وقدرة على القتال أو العمل بالسياسة والتفاوض، من بين هؤلاء الشيخ سليمان الجوسقي الذي واجه نابليون ولقنه درسا لم ينسه طوال حياته.

ولد الجوسقي في منطقة «جوسق» بمحافظة الشرقية، وكان أهله طامحين إلى إلحاقه بالأزهر، وهناك تفوق في دراسته رغم أنه كان كفيفًا، ولكنه قهر الظلام، حينها شعر بضرورة مساهمته في مقاومة الفرنسيين.

كان سليمان الجوسقي في أثناء دراسته بالأزهر شيخًا لطائفة العميان ومشرفًا عامًا على أوقافهم وكان محبوبًا من العامة والعميان وموضع تبركهم وقد نجح الرجل بمحبة العميان في أن يجمع ثروة كبيرة عن طريق إدارة أوقاف العميان والتجارة، وعندما اشتعلت ثورة القاهرة الأولى ضد الفرنسيين لجأ إليه العامة خوفًا من بطش العساكر الفرنسيين فخطب فيهم مشجعًا ومحفزًا على الصمود ودعا الناس الى قتال المحتلين حتى النهاية وقال في خطبة بليغة سجلتها كتب التاريخ: «انكم بشر مثلكم مثلهم، فاخرجوا إليهم فإما أن تبيدوهم أو يبيدوكم.

«قولوا لأبناء الشعب أن يبقوا في أماكنهم، وأن يتحصنوا ويتسلحوا بكل ما يقع تحت أيديهم من أنواع السلاح، من الحجارة والعصي والسكاكين والفؤوس، وما إلى ذلك من أنواع السلاح» كانت تلك المقولة التي قالها الجوسقي لتشجيع زعماء المحافظات والوجهاء والمشايخ، على إثر ثورة القاهرة الأولى ضد الفرنسيين في أكتوبر عام 1798، والذي استمر في مقاومتهم حتى إعدامه بإلقائه من فوق القلعة.

استغل «الجوسقي» المكفوفين وكوّن منهم جيشًا سريًا لمواجهة الاحتلال، وكانت مهامهم هي «إيصال تعليماته وأوامره إلى الوجهاء والمشايخ وزعماء المدن والقرى»، كذلك كلف بعضهم باغتيال الجنود الفرنسيين رغم فقدانهم للبصر، من خلال التصدي للسكارى منهم لحظة خروجهم من الحانات بعد منتصف الليل، ومع تمكن «جيش العميان» من قتل عدد كبير من الجنود ثار «نابليون» على الأمر، حتى تعرف على بعض الرؤوس التي كانت تُحرّض على الثورة ضدّه، ومن بينهم «الجوسقي»، ليأمر بإلقاء القبض عليه.

علم «نابليون» أن «الجوسقي» هو العقل المدبر لعمل جيش «العميان»، وعلى أساسه مثل الشيخ الكفيف أمامه، وأثار إعجاب قائد الحملة الفرنسية بسبب دهائه وذكائه، ونتيجة لذلك طمع به وحاول إغراءه بعروض عدة حتى يكسبه إلى صفه.

ووفقًا لما يذكره المؤرخ عبد الله طنطاوي، كان الجوسقي لحظة وقوفه أمام نابليون بعد القبض عليه يستمع عروضه في شموخ واستعلاء، ويتبع كل جملة يقولها قائد الحملة الفرنسية بسخرية واستهزاء.

ومع رفض «الجوسقي» لكافة عروض «نابليون» لجأ الأخير إلى رمي الورقة الأخيرة، وعرض على شيخ المكفوفين «سلطان مصر»، وزعم له أنه لم يجد في البلاد من هو في مثل كفاءته وقوته.

فور سماع «الجوسقي» للعرض الأخير تظاهر بالقبول حسب رواية «طنطاوي»، وتابع: «مدّ الشيخ سليمان يده إلى نابليون كأنه يريد أن يبايعه، ويعلن رغبته في التعاون معه، وابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه، ومدّ نابليون يده فرحًا، ظنًا منه أنه تغلب على هذا الشيخ الأعمى، وكسبه إلى جانبه».

وأردف «طنطاوي»: «أمسك الجوسقي بيد نابليون بيده اليمنى، ولطمه بيده اليسرى لطمةً صبّ فيها كل ما في نفسه من آلام وأحزان وأحقادٍ على المستعمرين الغزاة، فجُنّ جنون القائد المنهزم نابليون، قاهر الملوك والجيوش»، حينها صاح «نابليون»: «اقتلوا هذا الشيخ الأعمى»، وصاح من جديد: «ألقوا جثته مع جثث أصحابه في نهر النيل، لتكون طعامًا للأسماك«.

زر الذهاب إلى الأعلى