أقلام حرة

الصحفي عبد اللطيف المناوي ينشر مقال بعنوان ( كما يليق به وبنا )

ورحل الرئيس مبارك بعد حكم استمر ثلاثين عامًا، وتسع سنوات منذ تخلى عن الحكم، أراد الله له أن يشهد فيها الكثير. وأراد له أن يترك الدنيا بعد أن استرد الكثير من ثقة الناس وعدلها في تقييمه كشخص ورئيس. واتفقت الأغلبية على اعتماد ما قاله هو بنفسه بأن نترك التاريخ ليحكم على ما فعل وفعلنا.

سعدت بمراجعة كثيرين لمواقفهم من مبارك وإعادة اكتشافه بعدما كانوا يهيلون التراب عليه. وجدت أنها شجاعة من هؤلاء أن يراجعوا مواقفهم ويعلنوا مواقفهم الجديدة. أظنهم حتى أكثر شجاعة من الذين ثبتوا على موقفهم، كما فعلت شخصيًا، فلم يبدلوه رغم الأجواء غير المواتية في أوقات عديدة. فهؤلاء، وأنا منهم، ظل تقييمهم للشخص والتجربة والمرحلة دون تغيير، ولكن فقط قد يكون ازداد نضجًا.

أستحضر بعضًا مما كتبت عن الرئيس مبارك في الأوقات التي وصفتها بأنها لم تكن مواتية. وكان ذلك في الأعوام التالية مباشرة لأحداث يناير، والتى انتهت بتخليه عن الحكم.

«قد يختلف البعض حول تقييم الرئيس مبارك، لكن من الظلم والتجاوز أن نقلل من قيمة ودور الطيار محمد حسنى مبارك».

هذه حقيقة لو آمنا بها لكانت علامة مهمة وواضحة على أن المجتمع في طريقه إلى الارتقاء إلى مستويات أعلى وأكثر إنسانية في التعامل مع أبنائه، مهما كان موقعهم.

لم أنس تعليق صديق خليجى على ما رآه من تغير في الشخصية المصرية أثناء الاندفاع وراء المطالبة بمحاكمة مبارك، بل إعدامه، عندما قال: «الأزمة التي يعانى منها الشعب المصرى أنه لأول مرة نراه وقد فقد أهم صفتين فيه: الصبر والتسامح».

ولم أنس أبدا أيضًا تعليق أحد الأصدقاء الإنجليز أثناء مرحلة تجريس مبارك ومحاكمته ونقله من بيته إلى المستشفى ومنه إلى القفص الذي بُنى له خصيصًا تحت إشراف الوزير المختص وقتها، ثم إلى السجن، وقتها تساءل صديقى متعجبًا: «ألم يحارب مبارك يومًا مع الجيش؟»، فأجبته: بل شارك في ثلاث حروب منذ حرب السويس عام 1956، ثم حرب يونيو/ حزيران 1967، ثم أخيرًا حرب أكتوبر 1973 التي تعد بحق الانتصار الأهم في تاريخ العرب.

تعجب الرجل مما يتعرض له مبارك وقتها من مهانة، قائلًا: «لو أنه في بلادنا لكان الوضع مختلفًا، هذا رجل حارب ووضع روحه على كفه، ليس مرة ولكن مرات، وهذا له قيمة كبيرة أن تكون محاربًا من أجل بلدك».

عندما علمت بقرار أن تكون جنازته عسكرية، رأيته قرارًا محترمًا جديرًا بنا كدولة حقيقية، وتمنيت لو شارك كبار قادة القوات المسلحة، وأن يشارك الرئيس السيسى شخصيًا في الجنازة. اعتبرت حدوث ذلك محاولة استعادة لقيم ومبادئ كدنا نفقدها تمامًا. وحدث بالفعل ما تمنيته، وشهدنا بالأمس مشهدًا لوداع رئيس ومقاتل من أجل بلده لأكثر من نصف قرن. وداع حضر فيه أهل مصر وجيشها ورئيسها لتحية وداع واجبة. وبمشهد يليق بمبارك وبنا أبناء مصر.

زر الذهاب إلى الأعلى