«لى كوان يو».. هذا الاسم ربما يكون غير معروف لدينا كمصريين، لكنه أصبح رمزا للنهضة التى تعيشها سنغافورة حاليا، وهذا الشخص له قصة مرتبطة بواقع نعيشه حاليا فى مصر.
«لى كوان يو»، الذى أتحدث عنه هو شخص تلقى تعليمه الجامعى فى بريطانيا فى جامعة كامبريدج وحصل على شهادة فى القانون، ثم عاد إلى سنغافورة وعمل محاميا لعدة سنوات، وفى منتصف الخمسينيات أسس مع مجموعة من خريجى بريطانيا حزبا اشتراكيا، وتم تعينه أمينا عاما للحزب، وبعدها فاز الحزب بانتخابات رئاسة سنغافورة عام 1959، وعين لى كوان رئيسا للوزراء وكان عمره حينها 35 سنة، وبعد 6 سنوات أعلن لى كوان استقلال سنغافورة عن ماليزيا، وأصبح أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة بعد الاستقلال، واستمر فى الحكم لثلاث عقود متتالية، واشتهر بصفته مؤسس دولة سنغافورة الحديثة، ونقلها من دول العالم الثالث إلى مصاف الدول المتقدمة فى سنوات قليلة.. كيف حدث ذلك؟.. هذه هى القصة التى أهتم بها.
حينما تولى لى كوان يو الحكم فى سنغافورة بحث حوله عن أسباب تراجع بلاده وحالة الجهل والتخلف، فوجد ضالته فى التعليم، فقد فهم لى كوان ومعاونوه أن سنغافورة لا تملك أية موارد طبيعية تساعدها على تحقيق نموّ اقتصادى، فهى دولة فى مدينة واحدة، مع جزر صغيرة جدا من جوانبها، فاختارت أن تركز على رأس المال الحقيقى الذى تملكه، والذى اعتمدت عليه فى تحقيق معجزتها الاقتصادية، وهو بناء الإنسان، ومن هنا جاءت فكرتهم بالتركيز على التعليم، فوضعوا نظاما تعليميا يعتبر أحدَ أرقى أنظمة التعليم فى العالم بلا نزاع، حيث مكنها نظامها التعليمى من تكوين كفاءات وخبرات ساهمت فى بناء اقتصاد البلد، ورفع الأب المؤسس لسنغافورة، شعار أن التعليم يتجاوز مجرد التعليم الرسمى، وقال فى خطاب له فى عام 1977 «تعريفى للرجل المتعلم، هو رجل لا يتوقف أبدا عن التعلم ويريد أن يتعلم».
ملخص تجربة لى كوان، وتحول سنغافورة من دولة شديدة الفقر إلى دولة متقدمة فى كل المجالات، أنه وضع التعليم نصب عينيه واعتبره شريان الحياة الذى يضمن لسنغافورة مستقبل أفضل خلال 50 عاما، وخاض تحديات صعبة حتى أصبحت التجربة السنغافورية فى التعليم الأشهر عالميا، بل تفوقت على كوريا الجنوبية واليابان، وباتت تجربتها محل دراسة فى الجامعات العالمية المهتمة بالتعليم وريادة الأعمال.
ما حدث فى سنغافورة نرى له وجها يحدث الآن فى مصر، من خلال استراتيجية التعليم التى أعلن عنها الدكتور طارق شوقى وتبناها واهتم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أعلن منذ اللحظة الأولى لتوليه الحكم ومن قبلها أيضا، أن نجاح مصر يتوقف على التعليم، لذلك نراه فى كل جولاته الخارجية مهتما بموضوع التعليم، فعلها فى اليابان وكوريا وألمانيا وغيرها من الدول التى زارها، وطلب الاطلاع على النظام التعليمى فى هذه الدول.. الاطلاع ليس فقط على الورق، وإنما زيارة المؤسسات التعليمية ليطلع بنفسه على النظام على الأرض، ويتناقش مع أعضاء المنظومة التعليمية، معلمين وطلبة، ليعرف التفاصيل الدقيقة التى جعلت ألمانيا دولة متقدمة علميا بناء على التعليم، وكذلك كوريا الجنوبية واليابان وغيرهم من الدول، وفى النهاية طلب من وزارة التربية والتعليم أن تستعين بكل هذه التجارب لتضع نظاما جديدا للتعليم فى مصر يتناسب مع إمكانياتنا وتطلعاتنا للمستقبل الذى نراه مبهرا.
منذ عام تقريبا أطلق الدكتور طارق شوقى، هذه الاستراتيجية التى تقوم على عدة أسس أراها نقطة انطلاق مهمة للتقدم، وهى التحول من ثقافة الدرجات للمهارات، ومن ثقافة الحفظ والتلقين للفهم والتعلم النشط، مع إحداث نقلة نوعية فى المناهج التعليمية، والاهتمام بتطوير قدرات المعلمين، ورفع مستوى كفاءة وذكاء الطلاب، حتى يخرجوا لسوق العمل لديهم القدرة على التجاوب مع متطلبات السوق، وهنا برزت فكرة الاهتمام بالتعليم الفنى، من خلال الشراكة مع مؤسسات اقتصادية دولية تقوم ببناء مدارس لها فى مصر، كما فعلنا مع المدارس اليابانية وشركة سيمنز وغيرها.
هذا النظام الجديد للتعليم فى مصر هو بمثابة الرافعة للدولة المصرية، حتى وإن كان هناك من يحاولون الطعن فيه، لتحقيق مصالح خاصة بهم، وأعنى هنا، لوبى مدرسى الدروس الخصوصية، أكثر المتضررين من النظام الجديد، لأنه سيقضى على أساطير طالما عاشت على «سبوبة الدروس الخصوصية».
أدرك ويدرك الدكتور طارق شوقى، وكل من يعملون فى استراتيجية التعليم أن لوبى الدروس الخصوصية لن يهدأ لهم بال، وأنهم سيظلون يحرضون أولياء الأمور على الوزارة والنظام الجديد، لكن المؤكد أيضاً أن نهاية هذا اللوبى قريبة، خاصة بعدما يدرك أولياء الأمور أن النظام الجديد سينقذهم من ناهبى أموالهم، من مدرسين معدومى الضمير، لا يهمهم شىء سوى مصلحتهم الشخصية فقط.
نعم هناك لوبى مصالح يقف ضد مشروع التعليم الجديد، لكن فى نفس الوقت هناك شعب واع ومدرك أن الدولة تعمل حاليا على الارتقاء بالنظام التعليمى، وسيدرك أولياء الأمور «المضحوك عليهم» أنهم كانوا ضحية للوبى السبوبة، سيدركون ذلك حينما يتعرفون على كل تفاصيل الاستراتيجية الجديدة، وأنها ليست فقط استراتيجية «تابلت» كما يروج لها البعض، أو وقف حال بعض المدرسين، او غيرها من الشائعات التى أراها على مواقع التواصل الاجتماعى، بل هى استراتيجية متكاملة تستهدف صناعة جيل واع وفاهم وليس حافظا.
تحية تقدير للدكتور طارق شوقى، وكل العاملين على تطبيق هذه الاستراتيجية، فهم يعملون فى صمت، لتخرج الاستراتيجية بالشكل المرجو منها، وسيأتى يوم ليعرف كل المصريين دور كل واحد من أعضاء خلية النحل التى لا تكل ولا تمل داخل وزارة التربية والتعليم لتحقق مصر النهضة التى تسعى لها.