أقلام حرة

دروس من أزمة ريجينى

نشرت صحيفة الشروق مقالاً لعماد الدين حسين بعنوان : دروس من أزمة ريجينى ، وجاء كالتالي :

هل هناك دروس ينبغى أن نستفيد منها من أزمة باحث الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى الذى عثر عليه مقتولا فى أول طريق مصر الإسكندرية الصحراوى فى أوائل فبراير من العام الماضى؟!

أولا الحمد لله أن الأزمة تم احتواؤها إلى حد كبير ونزع فتيل التفجير، وذلك بعد قرار إيطاليا قبل أيام بإعادة سفيرها إلى القاهرة، بعد سحبه منذ تفجر الأزمة فى أول فبراير من العام قبل الماضى، ثم إعلان القاهرة أنها سترسل سفيرها هشام بدر إلى روما قريبا.

النهاية سعيدة جدا للقاهرة، وواقعية جدا لروما، فى حين أنها صادمة جدا لبعض المعارضين فى مصر، خصوصا جماعة الإخوان وبعض الناشطين خصوصا الحقوقيين، لأنهم راهنوا طويلا على أن تقود الأزمة إلى مزيد من حصار دولى يفرض على الحكومة المصرية، لكنهم نسوا أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح وليس المبادئ، ولم يكن ممكنا ان تستغنى ايطاليا عن العلاقات مع مصر، خصوصا فى ثلاثة ملفات مهمة، هى العلاقات الاقتصادية خصوصا استثمارات شركة اينى فى حقل ظهر للغاز، والهجرة غير الشرعية، ثم الملف الليبى.

الدرس الأول والأساسى من أزمة ريجينى الذى ينبغى أن تتعلمه الحكومة المصرية وسائر أجهزتها، أنها ارتكبت اخطاء قاتلة فى إدارة هذا الملف منذ الإعلان عن العثور على الجثة ونهاية بالروايات والتسريبات المختلفة الرسمية وغير الرسمية الخاصة بالحادث.

لا نهدف إلى النبش فى هذا الملف، لكن نحاول قدر الإمكان التذكير بضرورة إعادة قراءته حكوميا، حتى يتم تحديد لماذا كان الاخفاق فى البداية، وكيف أمكن لاحقا إدارته ببعض الحرفية، التى تم تتويجها بإغلاقه إلى حد كبير؟!

ومن بين الدروس أيضا أنه لا ينبغى فى مثل هذه المواقف ترك باب التصريحات والتسريبات «لكل من هب ودب»، وأن تكون هناك إدارة أزمات صغيرة وعلى أعلى قدر من الاحتراف تكون مسئولة عن كل ما يتعلق بهذه النوعية من القضايا». لا أقصد مقتل المزيد من الأجانب فى مصر ــ لا قدر الله ــ ولكن أى قضايا يكون أطرافها أجانب سواء كانت فردية، أو عامة مثل تعرض بعض السائحين لعمليات إرهابية على سبيل المثال.

تقول تقارير مصرية غير رسمية إن إيادى أجنبية شريرة حاولت أن تصطاد فى هذا الملف أكثر من مرة. ويبدو بالفعل أن هذا التقدير لا يجافى الحقيقة كثيرا، لكن من المنطقى أيضا القول إن الأداء الحكومى البائس، هو الذى أعطى الفرصة لهذه الأيادى أن تعطل العلاقات الرسمية بين البلدين ١٦ شهرا كاملة.

التقرير الذى نشرته صحيفة النيويورك تايمز على موقعها الإلكترونى فى وقت مبكر من يوم الأربعاء الماضى يشير إلى رغبة فى تعكير علاقات مصر وروما بكل السبل. كان ملفتا للنظر أن التقرير كان ضخما، حيث احتوى على أكثر من ٦٥٠٠ كلمة، ووضع كل البهارات الصحفية الممكنة. لكن الملفت للنظر اكثر، هو أن العمود الفقرى للتقرير، يقول إن إدارة أوباما هى التى سلمت الحكومة الإيطالية، التى كان يرأسها ماتيو رنيزى الملف المعلوماتى الذى يتهم الحكومة المصرية بأنها متورطة فى قتل ريجينى. بعد نشر التقرير بساعات خرج مصدر حكومى إيطالى لينفى صحة هذا التقرير، مشيدا بالتعاون بين مصر وروما فى هذا الملف، ولم تمض ٢٤ ساعة على هذا التقرير حتى خرج رنيزى بنفسه ليكذب الصحيفة الأمريكية تماما، رغم أنه قابل الرئيس الأمريكى السابق عدة مرات.

شىء من هذا القبيل فعلته صحف بريطانية مختلفة فى حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء فى نهاية اكتوبر قبل الماضى، لدرجة دفعت أصواتا مصرية شبه رسمية للقول بأن لندن لم تكن سعيدة بالعلاقات المصرية الروسية المتنامية، وربما شاركتها إدارة أوباما فى هذا الصدد.

ما مدى دقة هذا التقدير؟! يظل فى النهاية استنتاج يحتاج إلى أدلة ملموسة بصورة واضحة.

لكن الأكثر وضوحا أنه ما كان يمكن للندن وواشنطن وأى عاصمة أخرى كبيرة كانت أو صغيرة أن تحاول اللعب والعبث فى الداخل المصرى، إلا لأنها وجدت ثغرات قاتلة تنفذ منها، وبعضها للأسف كان أشبه بأخطاء دفاع ساذجة، بحيث كنا نسجل فى مرمانا بالخطأ فى كل مرة، وبصورة متكررة، والسؤال: متى سننظم دفاعنا، إضافة إلى حراسة المرمى؟!

زر الذهاب إلى الأعلى