نشر موقع اليوم السابع مقال للأستاذ بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة أيمن رفعت المحجوب بعنوان (العدالة الاجتماعية القاريّة) جاء كالتالي :
بلغ طغيان احتكار القلة أو “الأوليجوبولية” مداه فى الصناعات الإنتاجية فى أمريكا وأوروبا، فى حين التمركز كان أضعف فى قطاع صناعة الخدمات كالنقل والتجارة والحرف. وهو ما يدل على أن عملية التمركز لا تتسم بصورة ثابتة متجانسة وعلى وتيرة واحدة فى سائر مجالات النشاط الاقتصادى: مثل حقل العمل اليدوى وقطاع الزراعة.
وهنا تظل قدرة العمال على العمل، وبيع ساعات العمل فى الزراعة والمنتجات الزراعية يعتمد على العرض والطلب وسوق المنافسة الحر. وهو ما دفع العاملين فى هذا القطاع السعى وراء إنشاء تكتلات فى شكل اتحادات نقابية قادرة على مواجهة اتحادات المستثمرين تقابلهم بقوة ومساواة فعالة. وامتدت هذه التكتلات العمالية من قطاع الزراعة إلى قطاع الصناعة ، ولكن هذه الأخيرة اعتمدت على أسلوب الضغط السياسى على الدول ليتخلصوا من الوضع الاجتماعى المفجع الذى كانوا فيه. مما مكن الفلاحين وأصحاب الصناعات الصغيرة الحصول على تشريعات من الدول تحول دون انخفاض أسعار منتجاتهم ( المواد الخام والوسيطة ) انخفاضاً شديداً من جانب تكتلات احتكار القلة الظالمة.
ونتج عن هذا التطور غير المتناسق داخل الدول تحت مظلة “الأوليجوبولية” أو “احتكار القلة” إلى قلب ميزان القوة والمساومة (التفاوض)، لا بين رأس المال والعمال فقط ، ولا بين الصناعة والزراعة فحسب، بل كذلك بين بلد وأخر ، قارة وأخرى.
واتضح ذلك فى مراكز الأقطار الصناعية فى العالم بالنسبة للأقطار غير المتطورة أو الأخذة فى النمو، زد على ذلك أن إمكانية حصول العمال فى البلاد رفيعة التطور حقوقهم وأصواتهم فى تعديل الميزان الاقتصادى فى صالحهم بجهدهم الخاص لعدم وجود اتحادات أو نقابات تحميهم وترعى مصالحهم.
وعلى هذا أصبحت الحكومات والعمال والفلاحين فى القارات والدول التابعة للدول الرأسمالية الكبرى، خاضعة لا لأمر سكانها بالشكل الديمقراطى، بل لأمر البلدان الكبيرة التى أدخلتها فى مناطق نفوذها.
وهكذا انتقلت صورة عدم التناسق فى التطور والتى برزت داخل الدول المصنعة إلى الخارج من الدول التابعة، على شكل استغلال بلد لبلد، وقارة لقارة أخرى، أى على شكل استعمار اقتصادى أيضاً ولما تأكدت الأمم المتحدة من قهر وظلم العمال والفلاحين والمنتجين فى الدول غير المتطورة والأخذة فى النمو من جراء هذا الخلل فى ميزان الاقتصاد العالمى، بادرت بنشر “حق تقرير المصير” كعملة مناهضة للاستعمار السياسى والاقتصادى، ليصل العالم إلى شىء من الحرية والاستقلال الذاتى وتتحقق العدالة الاجتماعية على المستوى الداخلى والخارجى بين الدول والقارات.