أقلام حرة

دندراوي الهواري يكتب مقال بعنوان ( مصر دولة بجد.. عايز تصدق أهلاً وسهلاً.. مش عايز اخبط دماغك فى الحيط )

مصر دولة، لها مؤسسات، تاريخها من عمر البشر على كوكب الأرض، وأول دولة فى الكون، تتوصل إلى المؤسسات بمفهومها وشكلها الحديث، وورد ذلك من خلال شواهد أثرية، سردت هذه الحقائق، سواء من خلال النصوص المكتوبة على جدران المعابد والمقابر، أو المخاطبات على الحجر وورق البردى، وجميعها محفوظة فى متاحف سواء داخل مصر أو خارجها، لمن لديه شك ويريد زيادة فى المعرفة واليقين..!!
 
 
وتأتى المؤسسة العسكرية، على رأس المؤسسات المتجذرة فى عمق التاريخ، ويعد الجيش المصرى، أول جيش نظامى فى العالم، تأسس عام 3200 قبل الميلاد، وتحديدًا بعد توحيد الملك مينا لمصر.
 
وكان شكل الجيش قبل توحيد مصر، عبارة عن وحدات، لكل إقليم من الأقاليم وحدة عسكرية بمثابة جيش يحميه، وبعد حرب التوحيد الذى خاضها الملك مينا، وهى مسجلة على «صلاية نارمر» والموجودة حاليًا فى متحف «تورين» بإيطاليا، أصبح لمصر جيشًا موحدًا، يعد أقوى جيش فى العالم حينذاك، وبفضله أسس المصريون أول إمبراطورية فى التاريخ تمتد من تركيا شمالًا إلى الصومال جنوبًا ومن العراق شرقًا إلى ليبيا غربًا.
 
والجيش المصرى، كان يتكون من قوات برية قوية، وأسطول بحرى عملاق استطاع حماية سواحل مصر البحرية، وصارت الخطط الحربية المصرية القديمة عنوانًا مبهجًا ومدهشًا فى مناهج كبرى الأكاديميات العسكرية فى العالم.
 
وسجلت الشواهد العسكرية منظومة الجيش، بدقة رائعة، بدءًا من الكتبة الذين كانوا يسجلون أسماء وعدد المجندين، وإدارة التعيينات وإسناد الوظائف، وفى كل عصر كان الملك هو القائد الأعلى للجيش والقائد النظرى للمعارك.
 
أما الذراع الأمنى الثانى، والمتمثل فى الشرطة، فإن مصر عرفت القوات الحامية للملوك وكبار رجال الدولة، والقصور، ثم تطور دورها وصارت تنظم أعمال توزيع مياه النيل بين المصريين، وحسبما ذكر الدكتور سليم حسن فى موسوعته « تاريخ مصر القديمة»، أن أهمية هذا المنصب دعت الوزير الأول للفرعون أن يتولى بنفسه مهام رئيس الشرطة الأعلى فى العاصمة.
 
وكانت الشرطة فى مصر القديمة، دورًا رئيسيًا فى المحافظة على المؤسسات العامة، ومتابعة العاملين فى إدارة الدولة وعزل من يثبت فساده، وبمرور الوقت صارت الشرطة العمود الفقرى فى حماية الأمن الداخلى للوطن، لدرجة أنها كانت مسؤولة عن حماية مقابر الملوك والوزراء، من نبش لصوص البحث عن الذهب والأحجار الكريمة.
 
وسجل التاريخ المصرى، إنجازات كبيرة للشرطة المصرية فى حفظ الأمن والأمان والاستقرار الداخلى للبلاد، كما سجل واقعة لافتة، بطلها «سمحو» رئيس الشرطة فى عصر إخناتون، والذى أنقذ الملك من مؤامرة اغتياله.
 
ثم تأتى مؤسسة العدالة «السلطة القضائية» والتى تضرب بجذورها فى عمق التاريخ، ووردت فضيلة العدل والحق فى عدد كبير من الوثائق الأثرية منها نصوص الأهرام، وهناك وثيقة تعود للأسرة الفرعونية الرابعة، وتحديدًا فى عهد الملك «منكاورع» كتبها أحد أهم الرجال المقربين من الملك، جاء نصها: «لم يحدث قط إنى اغتصبت أى شىء من أى إنسان لهذا القبر، لأنى ستتم محاسبتى يوم الحساب فى الغرب، وقد بنيت هذا القبر مقابل أجور من الخبز أعطيتها للعمال.. ولم يحدث نزاع مع العمال حول الأجور، بل أعطيتهم الكتان الذى طلبوه ليدعو الإله لى».
 
وعُرف منصب القاضى، بمسماه أيضًا فى الأسرة الرابعة، وكان لكل مقاطعة قاضٍ يحكم بين الناس، ويأمر الشرطة بالقبض على الجناة والمجرمين، وتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم، وكانت هناك «محكمة» تضم شخصيات يطلق عليهم، «سر».
 
وتذكر الوثيقة الشهيرة، أن هناك وزارة كانت تحمل اسم وزارة العدل، ومن أشهر وزراء العدل يعود لعصر الملك منكاورع، وكان اسمه «كانفر» ولم تصلنا على وجه التحديد أبرز القضايا التى نظرها هذا الوزير الذى يحمل لقب «القاضى الأعظم للباب الملكى»، وظهرت فى عهده ولأول مرة صدور بعض التشريعات المنظمة لحياة المصريين فى الوجهين البحرى والقبلى «مصر العليا ومصر السفلى».
 
وفى الأسرة الفرعونية الخامسة، ظهرت ولأول مرة اسم «المحكمة العليا للدولة» وعُرفت فى مواضع أخرى باسم «محكمة الستة العليا»، وكان وزير العدل يرأس هذه المحكمة، ويحمل ألقاب مدير محكمة الستة العليا.. والقاضى الأعلى للبلاد.. ومدير كل المحاكمات.
 
وظهرت ألقاب لم يتم حل ألغازها حتى الآن، عن السلطة القضائية فى الدولة القديمة، مثل «أعضاء مجلس العشرة العظيم».. وموظف ممتاز للإدارة القضائية».. وهى ألقاب جميعها تؤكد أن المصريين كان لديهم مؤسسة قضائية بمفهومها الشامل، وتضم محاكم وقضاة وتشريعات لإرساء العدل والحق..!!
 
وإذا انتقلنا للمؤسسات الدينية، والثقافية، والعلمية فحدث ولا حرج، فيكفى أن المصرى القديم توصل إلى وجود حياة أخرى، وحسم قضية التوحيد، قبل هبوط الرسائل السماوية، وعن الأدب والفن من نحت ورسم وموسيقى، فحدث ولا حرج، أما عن العلم خاصة الطب والكيمياء والرياضيات والفلك، فإن العقل فى عصرنا الحديث، يقف عاجزًا أمام ما توصل إليه أجدادنا الفراعنة، ويمثل ألغاز فشلت التكنولوجيا الحديثة فى حلها، ولكم فى التحنيط وتعامد الشمس على معبد أبى سمبل مرتين فقط كل عام، أسوة..!!
 
إذن، مصر دولة حقيقية، مؤسساتها عريقة، راسخة، ومتمكنة، ولا يمكن مقارنتها بأى دولة فى المنطقة، وأن تركيا وقطر على وجه الخصوص، مجرد «تلامذة» حديثى العهد فى مدارس المؤسسات الوطنية المصرية.
 
ولك الله ثم جيش قوى وشعب صبور يا مصر..!!
زر الذهاب إلى الأعلى