أقلام حرة

مقال لأحمد فؤاد أنور بعنوان : دموع التماسيح فى تل أبيب

 

 

نشرت صحيفة الأهرام مقالاً لأحمد فؤاد أنور ، وجاء كالتالي :

بين غاز خان شيخون وما سيكون انطلقت صواريخ أمريكية نحو حمص استبقها وواكبها وتلاها مباشرة تحرك إسرائيلي جافي أبسط قواعد المنطق، حيث شارك رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو شخصيا في التمهيد للضربة الصاروخية الأمريكية علي سوريا بتصريحات عبّر فيها عن صدمته الإنسانية حين تابع صور أطفال سوريين يعانون من «هجوم الغاز» في خان شيخون، ما يجعلنا في حاجة ماسة لإلقاء مزيد من الضوء علي الدور الذي تلعبه دوائر صنع القرار في إسرائيل في المواجهة الجارية الآن في سوريا، خاصة أن تل أبيب شاركت في صياغة مسار التصعيد الحالي من خلال ضرب أهداف تابعة للجيش السوري، أو من خلال هجمة إعلامية شرسة انبرت لها المعارضة الإسرائيلية جنبا إلي جنب مع نيتانياهو، بينما أطفال سوريا يدفعون الثمن.

بداية يجب علينا أن نذّكر القاريء بقائمة الأطفال التي لم تحرك إنسانية نيتانياهو ولا إنسانية أقطاب حكومته ومعارضته تشمل الدوابشة، ومن قبله الدرة، ومن علي شاكلتهم في صابرا وشاتيلا وقانا وجنين، وشاطيء غزة، وأطفال قتلتهم أو فخختهم التنظيمات الإرهابية متفاخرة بذلك أمام الكاميرات، فضلا عن 4 أطفال سوريين قتلهم الهجوم الصاروخي الأمريكي ذاته.

ويجب في هذا الإطار الإشارة إلي أن ردود الأفعال الإسرائيلية التي صدرت تعقيبا علي الضربة الصاروخية الأمريكية اتسمت بالاتساق والتناغم والسرعة الشديدة لدرجة أنها صدرت فجرا وجاءت متطابقة، بل واستخدمت في بعض الحالات نفس الكلمات والمصطلحات فلم يتم رصد خلاف أو حتي ترتيب أولويات مختلفة بين زعيم المعارضة اسحق هيرتزوج، وبين نيتانياهو أو أفيجدور ليبرمان وزير الدفاع، ورؤوفين ريفلين رئيس الدولة، وهو ما ينطبق أيضا علي تصريحات يسرائيل كاتس وزير شئون المخابرات، ويوفال شتاينتس وزير البنية التحتية والمياه، بل و«إيهود باراك» الذي سبق وأعلن اعتزاله العمل السياسي ويمكن اعتباره البديل الافتراضي الدائم لنيتانياهو، فالتصريحات جميعها أكدت ترحيبها الكامل بالضربة وأن «لغة القوة» هي اللغة المفهومة في الشرق الأوسط ولدي إيران وكوريا.

يمكن القول في هذا الإطار أن الضربة الأمريكية كانت فرصة سانحة وذهبية لنيتانياهو لإلهاء الرأي العام الإسرائيلي عن فساده وفشله. وقد انجرت لتأييدها المعارضة الإسرائيلية، نظرا لأن الضربة برمتها جاءت كرد علي محاولة روسيا تغيير قواعد اللعبة بمنع المقاتلات الإسرائيلية من الاستمرار في خرق المجال الجوي السوري دون مقاومة، حيث بدأت بالتدريج توجه النيران بشكل تحذيري لتلك المقاتلات ثم منذ أسبوعين تقريبا تم إسقاط مقاتلة وطائرة بدون طيار، وهو ما يسهل لنا تفسير تجميد روسيا السريع لاتفاق التنسيق بشأن العمل في المجال الجوي السوري، رغم أن الهجمة كانت صاروخية وليس بطائرات، وهو قرار واكبه قرار عاجل آخر بتدعيم الدفاعات الجوية في سوريا، ما يعني الإصرار علي منع تل أبيب من الاستمرار في الهجمات ضد الجيش السوري بدون مقاومة أو مخاطرة وهي الصيغة التي كانت معتمدة ميدانيا طوال السنوات الماضية وتقاوم إسرائيل لاستمرارها بأياد أمريكية، وفوق دماء الأطفال.

 

ولابد لنا في هذا السياق من إبداء ملاحظتين: الأولي أن تأمين واشنطن رغبات إسرائيل في الاستمرار في التدخل المباشر ودون مخاطر في المشهد السوري يبرهن من جديد لدافع الضرائب الأمريكي أن تل أبيب ليست عونا للولايات المتحدة، بل عبء كبير، سياسي واقتصادي وأمني وأخلاقي، كما كانت في حرب الخليج الثانية، عندما توارت إسرائيل، ولم تطلق رصاصة أو ترسل جنديا واحدا، وتحملت واشنطن المسئولية والمخاطر والخسائر البشرية.

 

الثانية هي إقرار محللين بارزين في تل أبيب بأن التصعيد الحالي قد يؤدي إلي مواجهة كبيرة بين روسيا والولايات المتحدة، وأن الموقف الإسرائيلي في هذه الحالة سيكون التزام الحياد!

اللافت للنظر في السياق نفسه أن بعض الأصوات في إسرائيل تري أنه يمكن توظيف الهجمة الحالية لفرض حل عسكري أو تفاوضي يمكّن إسرائيل من التخلص من نحو 150 ألف صاروخ يمتلكها حاليا حزب الله، بعد أن فشلت تل أبيب في ضرب نواه تلك الترسانة عام 2006 في حرب لبنان الثانية رغم امتداد القتال إلي 34 يوما.

تل أبيب تعمل وتتفاوض علي تقسيم سوريا وتعمل علي بسط نفوذها وتوغلها في رقعة كبيرة من التراب السوري وهو ما يمكن رصده في معركة حق اختراق المجال الجوي السوري وضرب أهداف الجيش السوري دون اعتراض، وكذلك من علاج «مقاتلي النصرة وداعش» داخل مستشفيات إسرائيل، وهي عملية معقدة تنم عن تعاون كامل ومستمر وطويل يمنع وقوع عمليات مقاومة أو عمليات استشهادية تحت ستار نقل مصابين، وهو الإجراء الذي استفز دروز الجولان وجعلهم يفتكون في بعض الأحيان بالإرهابيين فور اقترابهم من قراهم.

في حين أن إسرائيل لم تضبط متلبسة بأي اشتباك ولو عن طريق الخطأ مع عناصر تلك التنظيمات رغم وجود تماس مباشر بين الجيش الإسرائيلي وبين هؤلاء المسلحين علي مدار السنوات الماضية. هذا بجانب تكثيف اللقاءات العلنية بين نشطاء، وممثلين أو مؤيدين لتلك الجماعات الإرهابية مع وسائل إعلام إسرائيلية، ما يعكس تحالفا لا يخشي الفخاخ أو التقلبات في المواقف.

يدرك الملايين في العالم العربي من هو المستفيد الرئيسي في المنطقة من انهيارات الكيانات الوطنية، لكن الدور الإسرائيلي العلني ومن وراء الكواليس قدم هذه المرة دليلا ماديا علي الجموح اللاهث وراء نصيب مجاني وافر من «الكعكة السورية». فالتنسيق الأمريكي بشأن الضربة الصاروخية ضد مطار الشعيرات مع دوائر صنع القرار الإسرائيلي تم التجهيز له مسبقا بعناية، وارتكز علي دعاية تسعي لدغدغة المشاعر بما يتناقض مع تعاون تل أبيب المكشوف لسنوات مع مرتزقة دمغهم العالم كله بالإرهاب وسبق لهم الاعتراف بقتل أسري، واستخدام أسلحة كيماوية، وقتل أطفال.

 

زر الذهاب إلى الأعلى