أقلام حرة

مقال لطارق الخولى بعنوان : ( ما وراء تفجير كنيسة مارجرجس )

نشر موقع اليوم السابع مقالاً لطارق الخولى بعنوان : ( ما وراء تفجير كنيسة مارجرجس ) وجاء كالتالي :

 

بات الإرهاب يدك أكثر ما يمكن أن يوجعنا، فقد كانت ردود الأفعال الحزينة على حادث تفجير الكنيسة البطرسية فاتح شهيه لجماعات الخنازير لإعادة ارتكاب ذات الجريمة، فى يوم العيد والمصريون يصلون فى الكنائس، ليحولوا العيد ليوم حزن وتعازٍ، انتقاما من شعب وقف متماسكا فى مواجهتهم، فمع كل اعتداء إرهابى يتجدد الإمعان فى سبل تجديد الخطاب الدينى، فالتاريخ يقص أن كل مبتدع منذ مسيلمة الكذاب حتى الآن يأتى برجال دين يبررون، ويبرهنون، ويمهدون، ويحللون لإمامهم ارتكاب المعاصى والقتل والقمع باسم الدين، بل تصوير ما يفعل بأنه ابتغاء مرضاة الله، فيكون الموالون والمؤيدون للإمام هم عباد الله الصالحون، بينما يكون المعارضون هم الفجار الآثمون، فيصبح قتلهم وانتهاكهم جسديًا واجبًا على كل مؤمن، فنرى مشاهد أصحاب اللحى وهم يحملون السلاح فى مواجهة الأبرياء فى سوريا وليبيا والعراق، نراهم وهم يذبحون ويغتصبون تقربًا إلى الله، فهؤلاء يدعون إلى دين آخر، دين فيه غلظة واستباحة للدماء والأعراض، دين غير دين الإسلام، فمن المتواتر بين العوام من الناس عبر الأزمان أنهم يثقون فى رجال الدين أكثر من غيرهم، فيأتمنونهم على دينهم ودنياهم، ويأتمرون بأمرهم باعتبار أنهم الأقرب للخالق، عز وجل، فيما يتفوهون ويفعلون، إلا أن حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «دُعَاة على أبواب جهنم» قد أراحنا كثيرًا فى تفسير وتوصيف الكائنات التى ظهرت فى زماننا هذا، يتحدثون باسم الدين، يرتدون لحى زائفة، ويفسدون على الناس عقيدتهم وعبادتهم، ويفتونهم بغير الحق الذى أنزله الله

الآن المنطقة العربية إزاء مواجهة حاسمة مع قوى الشر الثيوقراطية، حيث تؤوّل مجموعات من المتأسلمين النصوص الدينية بتفسيرات ذاتية تمكّنها من الوصول إلى السلطة، مستخدمين أحط السبل، الدسائس والقتل واستمالة الأشخاص بالمال أو الإرهاب والنفاق والكذب على الله، مدعومين من دول تسعى لتفتيت المنطقة بالكامل وإضعافها، فالثيوقراطية هى نظام يستمد الحاكم فيه سلطته أو شرعيته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين، وتعتبر الثيوقراطية من أنواع الحكم الفردى، فلا يجوز لأحد مخالفة الإمام، باعتباره خليفة الله، وقد مرت أوروبا بهذا النوع من الحكم فى العصور المظلمة ما بين القرنين الخامس والعاشر الميلاديين التى وصلت فيها سلطة الكنيسة والكهنة إلى أبعد من إخضاع الشعوب والملوك لسيطرتها، بل إلى الحرمان من دخول الجنة حال الطرد من رحمة الكنيسة، وبإمكانها أيضًا منح صكوك الغفران لمن تشاء أو كيفما اقتضت مصالحها، وسميت تلك الحقبة بالعصور المظلمة لمحاربة الكنيسة لكل عالم ومفكر وفيلسوف يخالف معتقداتها

أما الإسلام فقد جاء لهدم الحكم الدينى الممثل فى عصمة رجال الدين، ولكن بعض كتّاب المسلمين قد خلطوا بين الحكومة الدينية كما عرفتها أوروبا فى القرون الوسطى، وبين نظام الإسلام، فالحكم فى الإسلام ليس حكمًا ثيوقراطيًا، فالدولة الإسلامية ليست بهذا المفهوم، وعلماء الدين فى الإسلام ليسوا وسطاء بين العبد وربه، فضلاً على أن الدين الإسلامى نفسه ليس به رجال كهنوت، كما أن العلماء أو الحكومة فى الإسلام ليسوا أوصياء على خلق الله، لأن الحاكم ينتخب من الشعب، ويخطئ ويصيب ويحاسب ويعزل، وليس معصوما، وليس فى الإسلام طبقة الكهنوت، وإنما يحكم فى الأمة أفضلها بشروط تقدمها وتختاره على أساسها لإدارة مصالحها فى الدنيا، فمهمة الحاكم فى الإسلام تكاد تكون تنفيذية محضة، سواء عن طريق التنفيذ الحرفى للنصوص، أو الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، وليست سلطة مطلقة، فسلطات الخليفة محدودة بالحدود الشرعية، لا يجوز له أن يتجاوزها، إنما يقوم بتنفيذ أحكام الشريعة بأمانة وإخلاص، فسعينا فى المرحلة المقبلة يجب أن ينصب على تجديد الخطاب الدينى، لنضمن حماية مصر من الحكم الثيوقراطى البغيض، وحتى تنتهى مظاهر تعدى المتأسلمين على المنطقة وممارسة القتل والقمع والتنكيل باسم الدين، فمصر قد عرفت تعاليم الإسلام منذ 14 قرنًا، والشعب المصرى من أكثر شعوب الأرض تدينًا، فلن يأتى اليوم مُدّعو التدين ليفرضوا علينا دينًا غير الإسلام، دينهم دين الطمع الذى يعبدون، فكما علمت مصر من قبل بأزهرها كل العالم علوم الإسلام، وجب لزاماً أن يكون تجديد الخطاب الدينى من على أعتاب الأزهر الشريف الذى بدأ متحركا فى الخارج، لكن مازالنا نحتاج لجهود مضاعفة، توجد فى الداخل المصرى، وتصل لمشارق ومغارب المعمورة

وبعيدا عن أهمية تجديد الخطاب الديني، تجد الإشارة إلى ضرورة تسليط الضوء حول الأهداف السياسية لتفجير الكنيسة، فمنذ ثورة 1919 وحتى الآن يلعب المتربصون على وتر الطائفية لضرب العلاقة الوثيقة بين مسلمى ومسيحى مصر، ومن ثم السعى نحو إسقاط الدولة المصرية، وهو ما حدث فى سلسلة عمليات حرق الكنائس بعد فض اعتصام رابعة، إضافة لذلك خلق توترات دبلوماسية لمصر مع شركائها الدوليين، بالذات بعد النجاحات المحققة على المستوى الخارجى بعد لقاء القمة المصرى الأمريكى وما أحرزه من نتائج مهمة، ومع انتظار زيارة بابا الفاتيكان فى نهاية الشهر الجارى وما تمثله هذه الزيارة من رسالة مهمة حول مساعى السلام والتعايش بين الأديان

 

كما إن هذه الضربة الموجعة تأتى ردا على النجاحات الأمنية المحققة فى الفترة الأخيرة، والدعم الشعبى لقوات الجيش والشرطة فى دحر جماعات الإرهاب والتطرف، لكن لابد من البحث عن سد الثغرة الأمنية التى تخترق وتستغل لتنفيذ عمليات استهداف الكنائس، فمن المعروف أن قوات الأمن تتولى حماية الكنائس من الخارج، أما تأمين الكنائس من الداخل فيتولاه أبناء الكنيسة ذاتهم، وبالطبع لا يجوز لقوات الأمن تفتيش الوافدين للكنائس المختلفة، فيجد الإرهاب ثغرة سهلة للاندساس بين الوافدين للصلاة، ليدخل إما مفخخا أو يقوم بزرع عبوة ناسفة داخل الكنيسة بسهولة شديدة، فهذا التطور النوعى الخطير يحتاج إلى إعادة نظر وبحث مشترك وتنسيق بين الكنيسة والداخلية فى مراجعة الإجراءات الأمنية لحماية الكنائس وسد أى ثغرات أمنية مستغلة فى هذا التوقيت، مع مراعاة سرعة مواجهة العدالة للعناصر الإرهابية بتعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يضمن فترة وجيزة فى القصاص العادل والردع العام والخاص لأبناء الإرهاب والتطرف

زر الذهاب إلى الأعلى