أقلام حرة

مقال لعبد الناصر سلامة بعنوان : ( الثانوية العامة شرط التأهل )

 

نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لعبد الناصر سلامة بعنوان : ( الثانوية العامة شرط التأهل ) ، وجاء كالتالي :

لا أتصور أبداً اعتلاء أى من المناصب القيادية لأى شخص ما دون الحصول على شهادة الثانوية العامة، بذلك نحن لا نعترف بأهمية التعليم فى حياتنا، أو أهمية التخصص، حتى لو كان ذلك الشخص قد حصل على مؤهل ما بعد الثانوية بطريقة أو بأخرى، ذلك أننا نرى الآن دراسات جامعية أو حتى دراسات عليا لا تشترط ولا تراعى أهمية الحصول على شهادة الثانوية العامة، نجد أنفسنا فجأة أمام خواء فكرى وتعليمى، ذلك أن شهادة الثانوية ليست مجرد سنة دراسية، هى ثلاث سنوات من الدراسات المكثفة لمعظم فروع المعرفة، التاريخ كما الجغرافيا، كما علم النفس والمنطق، كما الفيزياء والكيمياء، كما العربى والإنجليزى، إلى غير ذلك من كثير.

لا يجوز بأى حال القفز على كل هذه المواد والدراسات إلى غيرها من دراسات محددة قد تكون غير مطلوبة فى حياتنا العملية، ثم يأتى هذا الجهبذ أو ذاك بعد ذلك يعتلى سدة القيادة فى أى مؤسسة كبيرة كانت أو صغيرة، قد نجده بعد ذلك على رأس وزارة أو حكومة أو أى شىء آخر، وهو لا يعى شيئاً لا عن التاريخ ولا عن الجغرافيا، بل التربية الدينية والوطنية، من ثم يصبح أضحوكة القرن، لذا كان كل هذا الضياع الذى عشناه وعاصرناه على مدى عدة عقود مضت، كانت الضحالة المعلوماتية خلالها عنواناً واضحاً فى العديد من المواقع.

أعتقد أن شهادة الثانوية العامة يجب أن ترفق بالشهادة الجامعية حال التقدم لأى وظيفة، أو الترشح لأى انتخابات من أى نوع، سواء كانت انتخابات محلية، أو برلمانية، أو غيرها، وعلى هذا يمكن القياس فى انتخابات الهيئات الرياضية والأندية والشركات والنقابات وغيرها من الجهات الموازية، ذلك أن المعلومات العامة أو التحصيل العلمى الناتج عن الشهادة الإعدادية وحدها ليس كافياً لإدارة عزبة من أى نوع، إلا إذا لجأنا طوال الوقت لطريقة شحاتة أفندى فى فيلم «أبوحلموس»، جردل لزوم الخروف، وحبل لزوم الخروف، وطبيب بيطرى لزوم الخروف، وهى الطريقة التى بدا أنها أكثر شيوعاً فى مجتمعنا.

الشهادات العلمية، أيها السادة، ليست للشهرة، كما الدراسات العليا ليست ترفاً، كما التحصيل العلمى ليس حالة مزاجية، الأمم من حولنا لم تنهض إلا بالبحث العلمى والدراسة والقراءة، لا مجال للفهلوة فى كل الأمم التى حققت نجاحات مرموقة، لم نر أبداً فى هذه الأمم من يفهم فى كل شىء ويفتى فى كل شىء ويفرض سطوته على كل شىء، وإلا أصبحنا أمام حالة مرَضية مستعصية سوف تنتقل معها العدوى إلى كل مجالات الحياة، من خلال ذلك القفز على المواقع المختلفة دون أسباب منطقية، وهو ما نشهده الآن.

 

بالتأكيد لكل مرحلة دراسية أهميتها فى التحصيل، وإلا لكان تم الاستغناء عن إحداها ذات يوم ترشيداً للنفقات، ذلك أن التعليم الابتدائى أو الإلزامى كان يستهدف طوال الوقت فك الخط، أو الكتابة الصحيحة، أو الإملاء الجيد والعمليات الحسابية الأولية، بينما استهدفت المرحلة الثانية «الإعدادية» تحصيلاً أولياً أيضاً لمختلف المعارف والعلوم، إلا أن المرحلة الأخيرة التى تسبق التخصص، وهى المرحلة الثانوية، تُعد عبوراً فاصلاً أو فارقاً نحو المعلومات الكثيفة فى معظم فروع المعرفة، والتى لا يجوز ولا يمكن الاستغناء عنها بأى حال من الأحوال، ذلك أنها تعد الركيزة الأساسية لبناء الإنسان وتوجيهه الوجهة التى تتناسب مع قدراته الشخصية ومقوماته الفكرية.

لنا أن نتخيل شخصاً لم يمر بأى من هذه المراحل، ثم يقفز على غيرها، بالتأكيد نحن كمن يبنى أو يُشيّد على أرض رخوة، سوف نكون أمام بناء هش، حتى وإن تم تزيينه من الخارج بكل ألوان الطيف، حتى وإن كان يجيد ألعاب الأكروبات أو الدراجات الهوائية والنارية وما شابه ذلك، حتى وإن استطاع خداع الناس بعض الوقت، ذلك أنه لن يستطيع أيضاً الاعتماد على من هم أكثر خبرة، أو حتى الوثوق فى الحاصلين على الثانوية العامة تحديداً، ذلك أن الأمر أصبح يتعلق بعوامل نفسية بالدرجة الأولى، أصبح يتعلق بحسابات شخصية لا علاقة لها بالصالح العام.

أعتقد أنه أصبح واضحاً الالتفاف على العملية التعليمية فى بلادنا، وبصفة خاصة ما يتعلق منها بشهادات أولية من هنا، وشهادات عليا من هناك، لا تتناسب فى معظمها مع حاجة العمل أو الوطن، آن الأوان للاعتراف بأن مشكلتنا الأساسية كانت الاعتماد طوال الوقت على غير المتخصصين أو ربما غير المؤهلين، وهو الأمر الذى يجب أن يفتح الباب واسعاً أمام حوار مجتمعى جاد يهدف فى النهاية إلى تغيير النظم واللوائح المتعلقة بهذا الشأن، يضع فى الاعتبار أهمية العلم والتخصص فى حياتنا كطريق وحيد للتقدم وتقلد الوظائف، وليس السطوة أو سياسة الأمر الواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى