أقلام حرة

مقال لعبد الناصر سلامة بعنوان : ( هسهس الفتوى )

نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لعبد الناصر سلامة بعنوان : ( هسهس الفتوى ) ، وجاء كالتالي :

حساسية الهسهس طفحت فجأة على كل الأجسام المستعدة للإصابة، أو التى كانت مصابة أصلاً، بمجرد الإعلان عن افتتاح مكتب للفتوى بإحدى محطات المترو، ليس واضحاً ما إذا كان الاعتراض على الفتاوى، أم على المفتين، أم على السائلين، أم على المترو، أم على المحطة التى تم اختيارها، أم على الكل كليلة!!، وجدتُ من يعتبرها مداً للدين والتدين والمظاهر الدينية، وهو ما يجب التصدى له. فى الوقت نفسه وجدت من رأى أن الهدف منها العبث بأمور الدين، وذلك بتسهيل عمليات الطلاق من خلال الفتوى بعدم وقوعه، انطلاقاً من المساعى السابقة فى هذا الشأن، وبين هذه وتلك كان هناك الكثير من التأويل والسخرية والتنكيت والتبكيت كما هو الحال مع معظم مجريات حياتنا الآن.

السؤال هو: ماذا لو تبنت وزارة المالية فكرة إنشاء مكاتب مماثلة للرد على استفسارات المواطنين بشأن سوق الأوراق المالية مثلاً، ذلك أن التعامل مع البورصات عموماً يحتاج إلى إجابات يومية، ناهيك عن أن هذه الثقافة تحديداً يفتقدها غالبية المصريين، ماذا لو أن وزارة الداخلية افتتحت مكاتب مماثلة تجيب عن أسئلة المواطنين حول الكثير من الاستفسارات التى تتعلق باستخراج رخصة القيادة، ونقل ملكية السيارات، واستخراج شهادات الميلاد والوفاة، ووثائق الزواج والطلاق والبطاقة الشخصية وجواز السفر، إلى غير ذلك من ضرورات وتعقيدات التعامل مع هذا المجال، ماذا لو افتتحت وزارة العدل أو وزارة الإدارة المحلية مكاتب مشابهة للرد على استفسارات التوثيق والتسجيل، أو الضرائب العقارية، أو لوائح البناء والهدم، أو المعاشات والضمان الاجتماعى، أو تراخيص افتتاح المنشآت والمحال، إلى غير ذلك من كثير!!.

أعتقد أن الأمر سوف يصبح مختلفاً من وجهة نظر الهسهسيين، ذلك أن المجتمع بالفعل فى حاجة إلى مثل هذه التسهيلات وكثير غيرها، إلا أن أمر الفتوى قد لا يصبح ذى أهمية بالتأكيد لمن لا تعنيهم الفتوى، وهو الأمر الذى لم يتم وضعه فى الاعتبار حين حكمهم على هذا الإجراء، ذلك أن أعداد المتصلين بهواتف لجنة الفتوى بصفة يومية كبيرة جداً مقارنة بأى اتصالات أخرى فى المجتمع، بخلاف من يترددون على اللجنة بصفة يومية، أيضاً بخلاف من يعتمدون على خطباء المساجد، وهم الأغلبية، وهذا مكمن الخطر، ذلك أن معظمهم غير مؤهلين للفتوى، وهو ما يجعل من تدخل الأزهر أو لجنة الفتوى أمراً مهماً من خلال تحديد علماء بعينهم للتصدى لهذه الظاهرة، حتى وإن كان فى أى مكان، وخصوصاً وسط التجمعات.

قرأتُ رسالة لإحدى رواد موقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك) تقول فيها، إن الخادمة لديها تحكى أن زوجها طلقها مرات عديدة، أى أكثر من ثلاث مرات، وهذه الخادمة لا تعلم ولم تسمع أن ذلك حرام، أو أن زواجها أصبح باطلاً، أو أنها كان يجب أن تنكح زوجاً غيره، أو أى شىء من هذا القبيل، السؤال هو: كيف يمكن أن تعلم هذه الخادمة بأمر لجنة الفتوى أو بغيرها من اللجان؟، فى الوقت نفسه نعلم ونسمع كثيراً عن مناطق بصعيد مصر بصفة خاصة يحرمون المرأة من الميراث، بالتأكيد خطباء المساجد هناك لن يستطيعوا التطرق إلى مثل هذه الأمور، أعتقد أن مثل هذه المكاتب لو انتشرت هناك أيضاً لكان القرار صائباً، مع الوضع فى الاعتبار أن تردد الخادمة المشار إليها على المسجد للسؤال قد يكون أمراً صعباً فى الحى الذى تقيم فيه، كما هو الحال مع المرأة الصعيدية أيضاً.

فى كل الأحوال، كلما انتشرت مواقع أداء الخدمة- أى خدمة- للمواطن دون عناء، يجب أن يُحسب ذلك للقائمين على أمر المواطن، وليس العكس، ذلك أنه يجب الأخذ فى الاعتبار مشقة الوصول إلى لجنة الفتوى للسؤال، أو الوصول إلى سوق الأوراق المالية للاستفسار، أو حتى الذهاب إلى إدارة المرور ثم العودة بخفى حنين لمجرد نقص فى المستندات، وعلى هذا يمكن القياس فى بلد من أكثر بلدان العالم زحاماً وتلوثاً، ناهيك عن الاصطدام بالبيروقراطية وضعاف النفوس مادام كل منا لا يعرف حقوقه وواجباته.

بالفعل لو أنه كان قد تم إنشاء أى من المكاتب السابق ذكرها لما كانت هناك مشكلة، حتى لو تضمنت مكتباً يجيب عن أسئلة جماهير الكُرة حول الفرق بين الضربة الحرة المباشرة وغير المباشرة مثلاً، أو الفرق بين الضربة الركنية والرمية الركنية، إلا أن الأمر حينما تعلق باهتمامات الناس الحقيقية أصبح مثاراً للت والعجن، وخاصة حينما تعلق بأمور الدين التى مازالت وستظل تشغل اهتمام الغالبية العظمى من الناس، على الرغم من كل ذلك العبث الحاصل فى المجتمع فى هذا الشأن تحديداً.

على أى حال، كل ما نأمله هو ألا نختلف مستقبلاً على الدور الذى تؤديه مثل هذه المكاتب، بمعنى أن يكون القائمون عليها على المستوى المنشود بالفعل، ليسوا مسيسين ولا مؤدلجين، لا متشددين ولا متطرفين، الأهم من ذلك هو أن تكون هناك رسالة حقيقية يؤدونها بالفعل، تقوم على نشر الفضيلة والأخلاق، وتبصير الناس بأمور دينهم، حتى لو لم يرد بعضها فى استفساراتهم، مثل الحض على إخراج زكاة المال، الحض على العطف على اليتيم، رفع الأذى عن الطريق، مساعدة المحتاجين، إلى غير ذلك من كثير افتقدناه، عل وعسى يجعل الله سبحانه وتعالى من بعد همٍ فرجاً.

زر الذهاب إلى الأعلى