نشرت الصحيفة مقالاً لعلى السلمي بعنوان : ( رغم التعديل.. لم تتغير السياسات ) ، وجاء كالتالي :
أخيراً تم التعديل الوزارى وطال تسعة وزراء من بين ثلاثة وثلاثين وزيراً، لكنه لم يكن على مستوى توقعات وآمال المواطنين!
إن المصريين لم يكونوا فى انتظار تعديل كى يتم تغيير بعض الوزراء بآخرين لم نتبين ما هى إنجازاتهم وتوجهاتهم فى مجال الوزارات التى عُيّنوا فيها، كما لم نعلم على سبيل التحديد أسباب خروج وزراء كانوا محل تقدير لجهودهم، ومنهم د. أشرف العربى، بينما استمر آخرون هم محل نقد كبير لسوء الأداء وانخفاض الإنجازات!
إن المصريين كانوا ولا يزالون يطلبون تغيير سياسات وتوجهات الحكومة كلها، وليس بعض وزرائها!
إن المشكلة الأساسية مع جميع حكومات ما بعد 30 يونيو 2013 هى غياب البرامج وتجمّد السياسات والتوجهات التى تمارسها تلك الحكومات، التى تتركز أساساً فى محاولة حل المشكلات الحياتية التى تعترض المصريين بشكل يكاد يكون مستمراً، مع افتقاد الرؤى المستقبلية والتوجهات الاستراتيجية التى تتعامل مع جذور وأسباب المشكلات، ولا تقتصر على ظواهرها وأعراضها!
إن الملاحظ غياب البرامج المعلنة والسياسات المتجدّدة المواكبة لأوضاع مصر وتطلعات المصريين إلى مستقبل أفضل منذ تشكيل حكومة الببلاوى فى أغسطس 2013، ثم حكومة إبراهيم محلب فى عهد الرئيس المؤقت عدلى منصور، وإعادة تكليفه من الرئيس السيسى فى يونيو 2014، ثم تعديل وزارته فى مارس 2015 إلى أقيل أو استقال فى سبتمبر 2015، وكُلف شريف إسماعيل برئاسة الحكومة، ثم تعديلها مرتين الأولى وقت أن تقدم إلى مجلس النواب فى يناير 2016، والثانية فى فبراير 2017.
ورغم أن تلك الحكومات أعلنت عن إدراكها أهداف ثورة يناير/يونيو، والتزامها بالعمل على تحقيقها، ورغم إقرار الشعب لدستور 2014، فإنها (أى الحكومات) لم تبذل الجهد الكافى ولا المقبول لتفعيله والوفاء بالتزاماتها التى نصّ عليها ذلك الدستور، ولم تتكامل جهودها مع مجلس النواب «الموقر» لإنفاذ الدستور وتحقيق مقاصده!!!
ورغم أن الحكومة الحالية قبل التعديل كانت تقدّمت إلى مجلس النواب «الموقر» ببرنامج فى مارس 2016 كان محلاً لانتقادات شديدة من جانب نواب كُثر، لكن تمت موافقة المجلس «الموقر» عليه ومُنحت الحكومة الثقة، ويومها التزم رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل بأن «توصيات المجلس هى التزامات للحكومة»! ورغم أن برنامج الحكومة لم يحس الشعب بآثاره ولم تحدث الانفراجة الموعودة فى حلحلة الوضع الاقتصادى المتأزم وحالة البطالة المتصاعدة، والقصور فى الخدمات العامة، فإن الوضع العام فى مصر شهد قرارات صادمة اتخذتها الحكومة دونما إعداد كافٍ بتحرير سعر الصرف يوم 3 نوفمبر 2016، وما ترتب عليه من انخفاض قيمة العملة الوطنية (الجنيه المصرى الشهيد)، وارتفاع أسطورى فى أسعار الدولار الأمريكى والعملات الأجنبية والعربية، بما فيها سعر الدولار الجمركى الذى تم تسعيره بثمانية عشرة جنيهاً ونصف، إلى أن تقرّر فى الأسبوع الماضى تخفيض ذلك السعر ومراجعته كل أسبوعين. ومجمل الأحداث أن زادت أسعار كل الواردات واختفى كثير من السلع الأساسية، وأهمها الدواء والمحاليل الطبية!
وكانت الحكومة قد شاركت فى احتفال كبير شهده الرئيس السيسى حين أعلن سيادته إطلاق رؤية التنمية المستدامة 20/30 التى وعدت المصريين بأنه «ستكون مصر الجديدة ذات اقتصاد تنافسى ومتوازن ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة، قائمة على العدالة والاندماج الاجتماعى والمشاركة ذات نظام أيكولوجى متزن ومتنوع تستثمر عبقرية المكان والإنسان لتُحقق التنمية المستدامة، ولنرتقى بجودة حياة المصريين»! كلام فخيم وكلام جميل، لكن أغلب المصريين لم «يفهموا حاجة منه»!!!
وتضمّن محور التنمية الاقتصادية فى رؤية 20/30 كلاماً فخيماً وجميلاً لم يفهم كثير من المصريين أغلبه كذلك، من مثل استقرار أوضاع الاقتصاد الكلى، بما يتضمّن خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى، وخفض نسبة العجز الكلى إلى الناتج المحلى الإجمالى والحفاظ على استقرار مستوى الأسعار. وأيضاً تحقيق نمو احتوائى ومستدام يؤدى إلى رفع معدل النمو الاقتصادى وتحقيق نمو متوازن إقليمياً، وزيادة مشاركة المرأة والأشخاص ذوى الإعاقة فى سوق العمل، وتحقيق التمكين الاقتصادى للعمل على تخفيض معدلات الفقر. كما هدفت رؤية 20/30 إلى زيادة درجة تنافسية الاقتصاد المصرى دولياً ورفع مساهمة الخدمات فى الناتج المحلى الإجمالى، خصوصاً الخدمات الإنتاجية، وذلك بالاتساق مع الممارسات العالمية التى تعتبر كلاً من الصناعة والخدمات محركاً مزدوجاً للنمو وزيادة مساهمة الصادرات فى معدل النمو الاقتصادى.
وبالغت رؤية 20/30 فى دغدغة مشاعر المصريين وإثارة حميتهم الوطنية «فى حب مصر»، إذ أعلنت أهدافاً عظيمة، مثل تعظيم القيمة المضافة، وأن تكون مصر لاعباً فى الاقتصاد العالمى قادراً على التكيّف مع المتغيرات العالمية من أكبر 30 دولة فى مجال الأسواق العالمية، ومن ضمن أفضل 10 دول فى مجال الإصلاحات الاقتصادية، وضمن دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية خلال عشرة أعوام وضمن الدول حديثة التصنيع خلال 5 سنوات.
كما وعدت «الرؤية» المصريين بتوفير فرص عمل لائق ومنتج وأن يصل نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع، بما يؤدى إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين.
وكالعهد مع حكومات ما بعد 30 يونيو التى تغافلت عن تنفيذ «المخطط الاستراتيجى للتنمية العمرانية» الذى تحدثنا عنه فى مقال الأسبوع الماضى، فإن تلك الحكومات، بما فيها الحكومة الحالية «المعدلة»، قد استمرت فى ممارسة أسلوب تجاهل ما أنجزه السابقون والبدء من الصفر فى كل مرة.
فقد تغافلت الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ عمل تخطيطى رائع أنجزته الوزيرة الفاضلة فايزة أبوالنجا وقت أن كانت وزيرة التخطيط والتعاون الدولى فى يونيو 2012، وهو «الإطار الاستراتيجى لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2012/2022»، الذى شارك فى إعداده الدكتور أشرف العربى وأطلقه للحوار المجتمعى فى نوفمبر 2012. ويتميز ذلك الإطار الاستراتيجى بأنه أُعد وفق ما يُعرف «بثلاثية» التنمية، المتمثلة فى النمو الاقتصادى المرتفع، والتشغيل الكامل والكفء واللائق، والعدالة الاجتماعية فى توزيع وإعادة توزيع الثروات والدخول. تلك الثلاثية تتكامل مع الأبعاد المكانية والزمنية للمنظور التنموى، وبالتالى يبرز تعبير التنمية الشاملة مكانياً لتغطى كل المناطق والأقاليم، والتنمية المستدامة، بما يعنى الحفاظ على الموارد وصيانتها وحمايتها من الهدر لصالح الأجيال المقبلة.
وإجمالاً، فإن ما نأخذه على الحكومة الحالية -ورغم التعديل- غياب سياسة واضحة وحازمة لإنهاض الاقتصاد الوطنى من كبوته، وتحسين مستويات الأداء والجودة فى توفير الخدمات التعليمية والصحية والمرافق العامة، وبذل جهود إيجابية فى تخفيض البطالة ومراقبة الأسعار.
إن سياسات الحكومة فى مكافحة «الإرهاب، والإصلاح المؤسسى وتطهير الجهاز الإدارى للدولة والمحليات، وسياسات القضاء على الفساد فى جميع أرجاء ومستويات أجهزة الدولة»، ليست كافية ولا هى على مستوى يناظر مستويات الإرهاب والفساد وتدنى الخدمات العامة.
وها نحن فى انتظار ما وعد به الرئيس أن «اصبروا ستة أشهر» ليتحسن الوضع، وما صرح به رئيس الوزراء، مطالباً الشعب «بالصبر»، وفى الوقت ذاته لا يكفينا إنجاز الوزيرة سحر نصر، حيث أعلنت استبدال «النافذة الاستثمارية» بالشباك الواحد!!!!