أقلام حرة

مقال لعماد جاد بعنوان : (هيبة الـدولة )

 

نشرت صحيفة الوطن مقالاً لعماد جاد بعنوان : (هيبة الـدولة ) ، وجاء كالتالي :

مشاهد قتل رجال الشرطة بدم بارد والاستيلاء على أسلحتهم، ومقاومة تنفيذ القانون من قبَل مواطنين عاديين كما يحدث فى جزيرة الوراق، ومن قبلها منطق فرض الأمر الواقع بالسلاح والبلطجة على الدولة مثل منع بناء أو تجديد كنيسة، لا سيما فى محافظة المنيا وبعض مدن صعيد مصر، كلها مشاهد تعود إلى زمن الفوضى وسقوط هيبة الدولة الذى ترتب على ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتفاقم خلال سنة حكم مرسى والجماعة، ففى الثامن والعشرين من يناير انهار جهاز الشرطة بالكامل وتلاشت عناصره، وانتشرت بلطجة، وخرج من المصريين تصرفات وأفعال وجرائم كنا نظن أنها لا يمكن أن تصدر عن شعب عُرف تاريخياً بكراهيته للعنف والدماء.

عندما أعلن المشير عبدالفتاح السيسى ترشحه للرئاسة أطلق مجموعة تصريحات ركز فيها بشدة على استعادة «هيبة الدولة» وفرض دولة القانون. وقد كانت الرغبة فى استعادة هيبة الدولة المصرية وفرض القانون فى مقدمة الأسباب التى دفعت قطاعاً كبيراً من المصريين للخروج فى السادس والعشرين من يوليو ٢٠١٣ تلبية لدعوة وزير الدفاع فى ذلك الوقت لمنحه تفويضاً بمحاربة الإرهاب والتصدى للعنف المتوقع، فالشعب المصرى، ومن خلال خبراته التاريخية وتجربته الحديثة بعد ٢٥ يناير، كان يعلم تماماً أن غياب هيبة الدولة يعنى ببساطة الخروج عليها من جماعات وحركات ومنظمات، يعنى انتشار الفوضى فى البلاد، وانتشار ظاهرة المجموعات المسلحة التى تفرض سيطرتها على مناطق من البلاد، تسرق، تسلب، تنهب، وتخطف، بل تعتدى على مؤسسات الدولة ورجالها. غياب دولة القانون يعنى أن كل من يقدر على فعل ما يقوم به، فلا مؤسسات تحاسب، ولا هيئات تراقب، ولا سلطة تنفيذية قادرة على فرض القانون والانضباط فى البلاد. وغياب هيبة الدولة مع تراجع دولة القانون يضع البلاد على أول طريق التقسيم الواقعى قبل القانونى، حيث يجرى تغييب سيادة الدولة على أجزاء من أراضيها، كما حدث بالنسبة لمصر فى شمال سيناء وبعض المناطق النائية، ويمهد الطريق أمام تحول البلد إلى ساحة أو ملعب للقوى الدولية والإقليمية كبيرها وصغيرها، وتتحول البلاد بالفعل إلى حقل كروم تعبث به الثعالب الصغيرة أكثر من الحيوانات الكبيرة.

غابت هيبة الدولة المصرية فى أواخر عهد مبارك، فعبثت الثعالب الصغيرة فى كروم مصر، وبدأت العبث «حماس، ٦ أبريل وعناصر جماعة الإخوان وخلاياها النائمة» وسقط نظام الحكم والمؤسسة الأمنية ممثلة فى جهاز الشرطة، فتحولت البلاد إلى ساحة للفوضى، انتشر العنف والإرهاب، سيطرت مجموعات من البلطجية والخارجين على القانون على الشارع المصرى، فقد هرب من سجون البلاد قرابة ٢٥ ألف مسجون بعضهم من عتاة المجرمين. وجاءت سيطرة الأحزاب الدينية على البرلمان فى انتخابات ٢٠١١ لتُنهى فكرة دولة المؤسسات، ومثّل وصول مرسى إلى الرئاسة ضربة قاسية لدولة القانون فى البلاد، فقد فتح الطريق أمام سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة على شمال سيناء، كما هرّب أسرار البلاد العليا إلى تركيا وقطر، ونقل كافة تفاصيل خطط القوات المسلحة الاستراتيجية وبرامجها التسليحية للتنظيم الدولى.

اختبرنا خلال السنوات الثلاث الماضية، بعد ٢٥ يناير، معنى العيش فى دولة متراجعة الهيبة، لا مكان لتطبيق القانون فيها، وكانت القسوة مضاعفة بالنسبة للمصريين ومؤسسات الدولة المصرية العريقة التى حافظت على وجودها آلاف الأعوام كدولة مركزية، قليلة فيها سنوات التمزق أو الصراع والانقسام الداخلى، ونادرة هى حالات الخروج على سلطة الدولة المصرية، شكوى المصرى كانت من قبضة الدولة المركزية وسيطرتها، ولم تكن من ضعف الدولة ووهنها إلا فيما ندر، وبعد أن اختبر المصرى معنى العيش فى ظل دولة بلا هيبة ولا مجال لتطبيق القانون فيها، تصاعد الحنين لديه للدولة المركزية القوية صاحبة الهيبة، دولة القانون حتى لو انطوى التطبيق على تجاوزات، فالمصرى بمقدوره التعايش مع ظلم الدولة أكثر من العيش فى ظلال دولة بلا هيبة ولا تطبيق للقانون على أراضيها. ومن هنا نحذر من مخاطر تراجع هيبة الدولة بفعل بقايا عناصر زمن الفوضى وغياب القانون، ونطالب بعودة هيبة الدولة المصرية على كافة أراضيها، وأن تكون دولة عدل ومؤسسات لا دولة أفراد وجماعات، دولة مؤسسات تقوم بدورها الدستورى، ودولة قانون لا تفرط فى حقوقها ولا تتراجع أمام بلطجة وعنف، ولكنها تراعى حقوق مواطنيها، لا سيما الفئات الضعيفة منها التى تحتاج إلى حماية اجتماعية واقتصادية تحصل عليها كحقوق مواطنة لا كهبة ولا منحة ولا تفضّل من أحد.

زر الذهاب إلى الأعلى