أقلام حرة

مقال لـ “سهام العقاد” بعنوان ( الأوسكار وحرية الإبداع )

تنقسم الآراء حول الشروط الجديدة التى وضعتها الأكاديميه المانحة لجوائز الأوسكار، فبينما يرى البعض أنها مقيده لحرية الإبداع لكونها تشترط مراعاة تمثيل فئات محددة فى مقدمتهم أصحاب البشرة الملونة والنساء وذوو الاحتياجات الخاصة والمثليين، بل امتدت شروط التنوع لمن هم خلف الكاميرا أيضا، يرى البعض الآخر أنها حتما ستكون مفيده على المدى الطويل لكونها تمنح الفرصة لمن لا يحظون بالتمثيل الكافى فى الأعمال الفنية فريق ثالث يتحفظ على تلك الشروط ويراها مجرد وسيلة لغزو العرب ثقافيا خصوصا ما يتعلق بالمثلية الجنسية وضرورة قبولها والتعامل معها من دون تمييز خاصة أن بعض الإنتاجات الفنية لم تعد تكتفى بالإشارة لهم ولكنها تقدم صورًا وردية عنهم، بتعبير أدق ترويض العقل العربى ليقبل مع الوقت كل ما يتعارض مع ثقافته وتقاليده، وفى المقابل لا نقدم للمشاهد البديل الجيد والذى يمكنه من مواجهة هذا الخطر.
مره أخرى هل هى الصدفه وحدها التى جعلت الأكاديميه تعلن عن شروطها الأن؟ أم أن هناك محاولات لـ”توجيه” الفن نحو قضايا محددة من شأنها تغيير الثوابت والقناعات خصوصا اذا ما وضعنا فى الاعتبار مبادرة «5050×2020» والتى بدأ فى اعتمادها عدد من المهرجانات السينمائية الكبرى لعل أبرزها مهرجان«كان»، وآخرها مهرجان القاهرة السينمائى الدولى كما أعرب عن ذلك رئيسه المنتج محمد حفظى، تلك المبادرة والتى بموجبها يتم تمكين مزيد من بنات حواء العاملات بصناعة السينما من الوصول بأفلامهم للمنصات الدولية إضافة للحفاظ على نسب موازية تضمن مشاركتهم ضمن فرق البرمجة ولجان الاختيار ومجمل الهيكل الإدارى لأى مهرجان، ما يسهم فى تحقيق المساواة بين الجنسين فى عالم صناعة الأفلام والبرمجة.

هذه المبادرة وجدت من يقتنع بها بل ويروج لها وإقناع عدد من المهرجانات الدولية للتوقيع عليها والعمل بها لن ينتهى عند مهرجان كان أو مهرجان القاهرة.
فهل كل هذه المبادرات لمجرد ضمان التمثيل الكافى لفئات مستبعده ومن بينها النساء كما نصت المبادرة، أم أن كلها ليست أكثر من تصنيف نوعى للمصنف الفنى حسب الجنس حينا (النساء) أو أصحاب الهويات المختلفة (المثليين) من جانب آخر، أم لعلها مجرد محاولات للانتصار للفئات الأضعف، فبدلا من تهمشيهم فنيا، تطرح قضاياهم ويتم مناقشاتها كنوع من كشف وتعرية المسكوت عنه وعلى كافة المستويات.
المؤكد أن الرؤية الفنية هى الفيصل دائما وأبدا فى الحكم على أى عمل، كذلك قدرته على التعبير بصدق عن القضايا التى يطرحها، ومن ثم فإن الحرص على تواجد نماذج معينة فى الأعمال الفنية أو طرح أفكار محدده تخص الهوية أو الجنس أو اللون لمجرد ضمان التواجد على المنصات الدولية أو الفوز بجوائز مهمة لن تخلق فنا صادقا حر،ا لأنه لا يوجد إبداع حر بشروط مسبقة، وحتى لو كان الغرض منها كما أشرنا للفوز بأهم الجوائز وفى مقدمتها الأوسكار.
المؤكد انه لا يمكن قبول هذه الشروط المقيدة للإبداع، والمصنف الفنى لا يمكن تقييمه إلا وفقا للجودة الفنية فقط، والتى لا يمكن أن تتحقق إلا اذا كان المبدع حرا ومن دون شروط أو قيود، يضاف لذلك هذه الشروط لا تقيد المبدع فقط ولكنها تظلم بعض هذه النماذج مثل النساء لأنها تشكك فى أحقيتها بكل ما وصلت له بمجهودها، ومن ثم فإن أى نجاح لاحق لها سيرجعه البعض لأنها حظيت بفرصه كان هناك مصنف آخر أحق منها، باختصار البعض وهو حقه سيرجع تفوقها لنسب المشاركة والحرص على المساواة، كذلك أصحاب الهويات المختلطه ربما لن تفيدهم هذه الشروط إلى تضمن تمثيلهم شكلا ومضمونا فى الأعمال الفنيه لأن صناع هذه الأعمال ربما لن يراعوا خصوصيتهم سواء نفسيا أو اجتماعيا، ومن ثم لن تتمكن من مساعدتهم في إثبات اختلافهم المتعدد الأسباب بطريقه احترافية فنيا وعلميا.
المؤكد الأخير أن الإبداع يجب أن يكون حرا طليقا وليس صحيحا أن الإصرار على هذه الشروط سيعيد حقوق لنماذج مظلومه لأنها أصلا ليست مظلومة بل من صالحها أن يتم قبولها اجتماعيا بطريقة سلسة بعد مناقشه وتفهم الأسباب النفسيه والعلمية والاجتماعية التى أدت بها لهذا المصير، كذلك النساء فليس صحيحا أنهن الوحيدات القادرات على طرح مشكلاتهن فالمبدع الرجل يستطيع هو الآخر الولوج لهذا العالم والتعبير عنه بصدق وعمق شريطه أن يمتلك أدواته.

زر الذهاب إلى الأعلى