من بين كل الزيارات الخارجية للرئيس عبد الفتاح السيسى الخارجية، فإن المصريين يتعاملون مع زيارته للسودان على أنها زيارة فى وطنه، وهذا ليس كلاما إنشائيا وإنما واقعا يفرضه التاريخ والمصير المشترك والأحلام المشتركة لشعب وادى النيل فى التنمية والرخاء، وتحقيق مصالح الطرفين، ولأن العلاقة والتعاون والتكامل بين مصر والسودان واحدا من الصفقات التى يربح منها الطرفان.
وأى متابع لخطوط العلاقة المصرية السودانية يكتشف كيف قفزت العلاقة على ما كان سائدا من علاقات روتينية أو تحركات تقليدية ترفع الكثير من الشعارات، كانت فكرة التكامل مطروحة على مستوى العناوين. والتصور النظرى يحمل سؤالا: كيف تمتلك مصر والسودان كل هذه المقومات مقومات الجغرافية والبشرية والأرض والمياه تمثل بناء اقتصاديا زراعيا واستثماريا كاملا، ثم تعانى من نقص أو تحتاج لاستيراد غذاء أو تبحث عن فرص استثمار.
دائما ما كانت السياسة تلقى بظلالها على هذا الملف، وهو ما عبر عنه الرئيس السيسى فى كلمته المشتركة مع الرئيس البشير «الأيام والسنين» أكسبت علاقاتنا مزيداً من الرسوخ والمتانة والقدرة على التصدى لأية تدخلات خارجية ومعالجة أية مشكلات مصطنعة، وعكست حجم ما يعلقه شعبا البلدين من آمال وطموحات، لتحقيق مزيد من التكامل والترابط بين مصالح شمال الوادى وجنوبه، فى ظل ما تمتلكه الدولتان من قدرات بشرية وثروات طبيعية ندر أن تذخر بها أى دولتين جارتين فى العالم».
لقد كان الرئيس يشير إلى أن هناك مشكلات مصطنعة دائما ما كانت تعطل الهدف الاستراتيجى وهو مصالح البلدين، حيث تمتلكان إمكانات يمكن فى حال توظيفها أن تعود بالنفع المشترك.
تفاصيل العلاقة المشتركة بين مصر والسودان، لم تتوقف على الشعارات والمجاملات لكنها دخلت فى التفاصيل العملية، هناك لجان فنية فى كل اتجاه،وبجانب الهيئة الفنية الدائمة لمياه النيل، هناك لجنة المنافذ البرية، واللجنة القنصلية، ولجنة القوى العاملة، تحول وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الموقعة عام 2016، إلى واقع عملى تنفيذى، وشهدت الأشهر الستة الماضية انعقاد العديد من الاجتماعات واللجان المشتركة بين البلدين على مختلف المستويات من بينها الاجتماع الرباعى، واجتماع آلية التشاور السياسى،
وهناك مشروع الربط الكهربائى بين البلدين الذى ينقل علاقات مصر والسودان إلى مرحلة جديدة تتأسس على تنفيذ المشروعات الاستراتيجية المشتركة، وتعزز فرص التبادل التجارى والاستثمارى، ولجنة ربط السكك الحديدية الذى يمثل أكبر خطوة نحو التكامل والانتقال بسهولة من الشمال إلى الجنوب والعكس، وهناك حديث عن خط قطار من الإسكندرية إلى الخرطوم، مرورا بوادى حلفا، مع العلم أن هذه الخطوة لا تحتاج إلا إلى ربط لعدة كيلومترات، وإحياء الخط السابق للانتقال.
تكشف كلمة الرئيس أن هناك رغبة فى أن تكون العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية مستمرة وبعيدا عن أى تأثيرات سياسية، وهو ما يمثل نجاحا حقيقيا وانتقالا للعلاقة إلى حالة من النضج تتجاوز الشعارات إلى تعاون حقيقى يحقق أحلاما طال انتظارها.