نشرت صحيفة صوت الأمة مقالاً للكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل تحت عنوان : ( دفاعاً عن الجيش ) ، وفيما يلى أبرز ما تضمنه
- إنه جيش الشعب المصري، وليس جيشًا ينسب لأي شخص مهما علا مقامه، وهو المدرسة الوطنية المصرية الكبرى، وفي تاريخه الأحدث مئات القادة العظام، ومن إبراهيم باشا ابن محمد علي، مؤسس مصر الحديثة، إلى الفريق أول محمد فوزي، القائد الميداني لعملية إعادة بناء الجيش بعد هزيمة 1976، ومن الفريق عبد المنعم رياض، الذي تقدم جنوده إلى شرف الشهادة، إلى الفريق سعد الدين الشاذلي، صاحب خطة حرب أكتوبر، ومن المشير عبد الفتاح السيسي، الذي استرد ثقة الشعب في الجيش، وإلى الفريق أول صدقي صبحي، وصحبه في القيادة العامة الحالية لقواتنا المسلحة، وكل هؤلاء مع المئات من غيرهم مجرد عناوين ساطعة، وإشارات لتحولات كبرى، وعلامات على حيوية وصلابة وعظمة جيش زاخر بمئات الآلاف، بل ملايين الضباط والجنود من أبناء الشعب المصري، ظلوا ويظلون في رباط جيلًا فجيل إلى يوم الدين، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
- وسيرة الجيش، هي سيرة مصر، فقد كان البلد العظيم هدفًا مثاليًا لمطامع الغزاة من كل لون وجنس، وبسبب امتيازات الموقع والموضع الفريد، تعرضت مصر إلى عشرات الغزوات الاستعمارية، وكانت صحوة الجيش دائمًا هي صحوة مصر، وكانت قوته عصب وحدتها العصية على التفكيك والتفتيت، ومن جيش «مينا» موحد القطرين، إلى جيش «أحمس» قاهر الهكسوس، وإلى ملاحم «مجدو» تحتمس، و«قادش» رمسيس، و«عين جالوت» قطز، و«حطين» صلاح الدين، وفتوحات إبراهيم باشا «ساري عسكر عربستان» أي قائد عام الجيوش العربية، ثم معارك جمال عبد الناصر، الرمز الثوري للوطنية المصرية والقومية العربية، وإلى حرب التحرير الثانية لسيناء، والمتصلة بفصولها وتضحياتها وبطولاتها اليوم.
- والجيش المصري ليس كيانًا مصمتًا، ولا مغلقًا على فهم وسلوك متجمد، بل قوة ديناميكية حية، تغتني بزاد لا ينتهي من التجنيد الوطني العام، ومن جيوش الضباط المؤهلين بلغة العصر وسلاحه الفائق المتطور، تجمعهم عقيدة الوطنية المصرية، لا مسائل السياسة اليومية، وتصهرهم في سبيكة متجانسة غاية في تفردها، تعبر عن أصفى ما في التكوين المصري الموحد تاريخيًا وثقافيًا وجغرافيًا، بالدأب والتفاني والجدية والانضباط الطوعي الصارم، والاتصال الوثيق المتفوق بعلوم السلاح وقفزاتها المتلاحقة، والقراءة البصيرة لموازين القوى وتحولاتها في منطقتنا وعالمنا، والمقدرة الهائلة على التصحيح الذاتي، واستيعاب الدروس والعظات والعبر، وإعادة صياغة الخطط والهياكل، وصيانة وتنويع وتصنيع السلاح، وقد تعرض الجيش لهزيمة خاطفة في عدوان 1967، لم تكن من صنع جنوده وضباطه، بل من عجز وتقصير وعشوائية قيادة عسكرية ذاهلة، أصيبت بـ «انفجار عصبي في المخ» على حد تعبير جمال عبد الناصر، وفي اللحظة التي بدا فيها أن الهزيمة كاسحة مقعدة، وأنه قد لا تكون من فرصة لقيامة منها، تحولت المحنة إلى نعمة، وجرت أوسع وأسرع وأكفأ عملية لإعادة بناء الجيش من نقطة الصفر، وتوالت انتصارات الجيش من معركة «رأس العش» و«إغراق إيلات» إلى عبور الهزيمة كلها في حرب 1973، وثبت للقاصي والداني أن «أعظم جيوش في الأمم جيوشنا»، فقد ولدت مصر جيشها الجديد العصري، جيش المليون جندي، وكانت التعبئة العامة للشعب المصري هي التي ردت اعتبار الجيش، وأعادت بناء عظمته الباقية، رغم خذلان السياسة الحاكمة لإنجاز السلاح بعد الحرب، ورغم التنكر لتضحيات الشعب ودم الشهداء، وبما انزلق بمصر إلى انحطاط متصل لأربعين سنة، ثار الشعب ضد هوانه ومظالمه وفساده، في مشاهد زحف مليوني معجز غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، خلعت القلب فرحًا واستبشارًا، وكان الجيش بطبعه الوطني سندًا تلقائيًا لشعبه في ثورة 25 يناير 2011 وموجتها الأعظم في 30 يونيو 2013.
- والمعنى ببساطة، أن جيشنا لا يخوض الآن معركة منفصلة ولا معزولة ضد جماعات إرهاب أسود خسيس، بل يعود لاستئناف الحرب ذاتها، ومن أجل تحرير مصر المنكوبة بتحالف مماليك الفساد وعصابات الإرهاب، ومن أجل استعادة سيناء كاملة لمصر، فلم تعد سيناء لمصر خالصة بعد معاهدة السلام المشئوم، بل عادت منزوعة السلاح والسيادة العسكرية في غالبها، وبعمق يصل إلى مئة وخمسين كيلو مترًا غرب حدودنا التاريخية مع فلسطين المحتلة، وجوهر ما يحدث الآن هو استعادة الجيش لأرضه، وتطهير شرق سيناء من أوساخ جماعات ضالة، متحالفة موضوعيا مع كيان الاغتصاب الإسرائيلي، وقد كان ملفتًا أن غير التنظيم الإرهابي الوضيع اسمه أخيرا، وترك اسم «أنصار بيت المقدس» المفتعل إلى تسمية «ولاية سيناء»، والاسم الجديد يثير السخرية، فهو لا يملك متر أرض يقيم عليه ولايته المزعومة، لكن التحول في التسمية نزع الغطاء المموه عن الوجه الحقيقي، فترك تسمية «بيت المقدس» إقرار علني ذاتي من التنظيم بطبيعته الخيانية، وتسليم بحقيقة أن لا علاقة له بتحرير فلسطين ولا «بيت المقدس»، وأنه لم يوجد ليحارب إسرائيل، بل الهدف الفعلي هو الحرب على الجيش المصري والشعب المصري، وهذه معركة محسومة النتائج بامتياز، وبإذن المولى سبحانه وتعالى، ومهما طال الوقت، فلا قبل لأحد بهزيمة الجيش المصري، وحتى لو اجتمعت الدنيا كلها علينا، وحتى لو حدثت ألف مفاجأة، وحتى لو تكلفنا التضحيات بمئات وآلاف الشهداء، فلدينا مدد لا ينفد من خير وأعظم أجناد الأرض، ولدينا الرغبة والقدرة المتفوقة على التعلم من خطأ هنا أو غفلة هناك، ولدينا الأداء العسكري الحرفي الباهر على طريقة ما جرى في معركة دمياط البحرية الأخيرة، فالجيش لا يخوض الحرب مدافعًا فقط عن شرفه العسكري، ولا عن هيبته، ولا عن مقامه المحفوظ، بل يخوضها دفاعًا عن وجود مصر وأمتها العربية، ودفاعًا عن الإسلام والقيم الإنسانية الملهمة.
- نعم، لا خوف على المصريين ولا هم يحزنون، فلدى هذا البلد الأمين أعظم درع وأقوى سيف، وجيش قادر على «صيد الفئران» في نوبة غداء، وكسب النصر لمصر لها المجد في العالمين.