الجيل الثالث فى العائلة مبهور بالمنسى وإخوانه، وهذا لعمرى تطور نوعى مهم، جيل شب عن الطوق لم يهتم يومًا بتضحيات الجنود، ولم ير تلك الوجوه الوضاءة قبلا، ولم يختبر مثل هذه الروح الاستشهادية، التى تمتلئ بها نفوس السمر الشداد.
لو لم يترك مسلسل «الاختيار» سوى هذا الفخر والافتخار بخير أجناد الأرض لكفاه تأثيرًا، شيوع تلك الروح الوطنية فى شرايين الأجيال الشابة بشرى عظيمة، والاختيار بعد فيلم «الممر» جرعة وطنية من مصل مضاد لفيروس اللامبالاة، التى ظننا أن هذا الجيل جبل عليها، وحسبناه فى واد بعيد، فثبت أنه يقف على أرض وطنية صلبة تفوق خيالنا.
أن يلتف الشباب حول بطل اسمه المنسى، فيصير علمًا، وأن يبحثوا عن سر عظمته فى ثنايا المشاهد الحربية، وكيف هو عطوف على الجنود، شديد مع الأعداء، رزين فى التخطيط، شجاع فى الهجوم يتقدم الصفوف، كامل الأوصاف، الله عليك يا منسى يا حبيب قلبى.
منسى أسطورة حقيقية، جسدها مسلسل قيد له إرادة عسكرية أخرجته للوجود ليتعرف أولادنا وأحفادنا على تضحيات الآباء من أجل مستقبل الأبناء فى حضن الأجداد.
مسلسل وضعنا فى قلب المعركة، كم كنا بعيدين عن معركة التحرير الثانى لسيناء، إماطة اللثام عن سير المعارك موثقة، وتصوير ما خفى من أسرار هذه المعارك، يحسب للشؤون المعنوية التى قدمت نماذج من الشهادات الحية على انتصار عظيم، عظمته فى ثمنه غاليا، أرواح غالية، طابور من الشهداء الأحياء، يتعجلون الشهادة، وكل منهم يتمناها، ويفضل نفسه شهيدًا على أخيه، ويتقدمهم ضباط شباب ممتلئون بالوطنية والفداء.
بعيدًا عن ملاحظات المثقفين على بعض ما جاء فى المسلسل عن «ابن تيمية»، ولهم كل الحق، يبقى درس المنسى معلمًا بالدم فى العقول، منقوشًا فى القلوب، حرق قلب الإخوان الإرهابيين والتابعين من أهل الشر.
جنون الجزيرة وأخواتها التركية من مسلسل «الاختيار» لأنه قوض وهمًا عاشوا عليه، وبدد ما يصنعون لعبًا فى العقول الخضراء، وحصن أجيالا من فيروس التطرف، الذى تم حقنه فى شرايين المجتمع عبر الخلايا النائمة، التى أسكنها المسلسل قعور بيوتها وقطع ألسنتها الطويلة فخرسوا إلا من تويتات وتغريدات كالزبد يذهب جفاء.
الله يرحم المنسى واقرأوا له ولإخوانه الفاتحة، وتيقنوا، الأرض المصرية ولادة أبطال شهداء وهم أحياء.. وإن كان فى أرضك مات شهيد فى ألف غيره بيتولد.