1- لا تنمية اقتصادية ناجحة دون رؤية سياسية داعمة
إن ملف التنمية الاقتصادية ملف سياسى بامتياز، لأن النمو المستدام يحتاج إلى تضافر جهود الشعب كله وراء المشروع التنموى، عن فهم واقتناع دون إملاء أو إجبار، كما أنه يحتاج استقطاب رؤوس الأموال المصرية والأجنبية، وهذان الشرطان مرتبطان بوجود ارتياح عام على التوجه السياسى للدولة، من حيث احترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون ودعم الحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد ومواجهة التمييز بكافة أشكاله وقبول الاختلاف والمعارضة ووضوح حقوق الملكية وحدود العمل الاقتصادى وعدالة المنافسة وغيرها من الاعتبارات، التى يشعر بها المواطن ويتجاوب معها، كما يُقيِّمها أصحاب الشركات ورؤوس الأموال، قبل النظر إلى أى مزايا تحفيزية مدرجة فى قانون أو لائحة، وقبل الاستماع إلى أى تصريحات سياسية وإعلامية.
إن موقف نظام الحكم تجاه إتمام مصالحة مع التيارات المعارضة بأطيافها المختلفة من الإسلام السياسى إلى القوى الليبرالية واليسارية يمثل عنصراً أساسياً فى المعادلة التنموية فى الوقت الراهن، ليس فقط بسبب تأثيره المباشر على قطاع مهم مثل السياحة، ولكن لما له من تأثير أوسع على القدرة المصرية لجذب رؤوس الأموال البشرية والمالية المطلوبة للعبور الاقتصادى المأمول، وقد صدقت مقولة الرئيس نيلسون مانديلا: «إن الثورة لا تكتمل إلا بالمصالحة» عندما بادر بإصدار قانون المصالحة الوطنية فى جنوب أفريقيا، بعد إسقاط نظام التمييز العنصرى البغيض، رغم معارضة أغلب مناصريه آنذاك، وقد حان الوقت الآن فى مصر لبدء المصالحة مع كل مَن لم تثبت عليهم أعمال إرهابية أو إجرامية أدت إلى سفك دماء، لنطوى صفحة الماضى ونبنى المستقبل كأمة متحدة.
2- لا تنمية اقتصادية ناجحة دون حلول جذرية وأولويات مدروسة
– إن جذور الأزمة تقع فى التراجع المزمن لكافة القطاعات الإنتاجية (زراعة، صناعة، سياحة، تشييد، بنوك، نقل، خدمات)، من حيث قدرتها على النمو والتطور، وبالتالى التنافسية داخلياً وعالمياً، فهى بالتالى أزمة كُليّة ومتشعبة، مما يزيد من خطورتها ويُصعّب من حلها، خاصة إذا استمر تأخره.
– إنه من الخطأ التركيز على روشتة صندوق النقد الدولى لتحسين المؤشرات المالية والنقدية كأهداف كافية بحد ذاتها، لأنها لا تمثل إلا انعكاسات لأداء القطاعات الإنتاجية المختلفة، ويتمحور تأثيرها الاقتصادى فى كونها عنصراً مسانداً أو معوقاً لنمو الاقتصاد الإنتاجى.
– إن ضيق الموارد المالية من الجانب الحكومى يستدعى الاعتماد على القطاع الخاص المصرى ورأس المال الوطنى كقاطرة النمو فى المرحلة القادمة، وذلك بخلق مناخ الثقة والأطر المحفزة لجذبه مستثمراً وداعماً للتنمية.
– إن خطورة الموقف وصعوبة الوضع التمويلى تستوجبان عدم تفتيت الجهود وتقسيم الموارد المحدودة على عدة محاور دون ضمان توفير الحد الأدنى المطلوب على الجبهات والأولويات الرئيسية المحددة لتحقيق العبور الاقتصادى المطلوب، فيجب أن تنتهى آفة التكليفات الوزارية والموازنات المالية، التى تعبر عن الأحلام الوردية بدلاً عن الواقع العملى، مع ضرورة مصارحة الشعب بأولوية الأهداف القابلة للتنفيذ، والمحاسبة عن التقصير فى أدائها بصرامة.
3- التصدير هو الحل
– إن طبيعة الأزمة وجذورها تُحدد، بل تُحتم أسلوب المعالجة والحل الذى يجب- فى تقديرى- أن يقوم على زيادة حجم الصادرات المصرية ذات القيمة المضافة إلى 50 مليار دولار أمريكى كحد أدنى بنهاية الاستحقاق الرئاسى القادم فى يونيو 2022، ليصبح ذلك الهدف القومى الرئيسى لمصر- حكومةً وشعباً- مع الأخذ فى الاعتبار أن هذه الزيادة ستضيف إلى الناتج القومى أكثر من 600 مليار جنيه مصرى مقوّمة بالعملة الصعبة، وستزيد من معدلات النمو ونسب تشغيل العمالة، كما أنها ستعالج العجز الضخم فى الموازنة العامة وفى الميزان التجارى بأسلوب اقتصادى سليم دون الاحتياج إلى الاستدانة غير المحسوبة، والتصدير حل يعالج أصول المشكلة فى قطاعات إنتاجية متعددة بها سلع وخدمات تُصدّر حالياً أو قابلة للتصدير إذا تم تطويرها وتسويقها، ويفتح المجال لكل الجادين والمُجدّين لتنمية شركاتهم وزيادة مبيعاتهم وأرباحهم وعمالتهم إذا نجحوا فى تطوير منتجاتهم وخدماتهم لتكون تنافسية على المحفل الدولى، وسيتبع ذلك ظهور فئة جديدة من رجال وسيدات الأعمال المصريين الأكثر طموحاً وانفتاحاً تجاه العالم والأكثر استعداداً وسعياً لإخراج شركاتهم من طور المحلية إلى الإقليمية، ثم الدولية.
هذا هو الطريق الذى سلكته الصين والهند ونمور جنوب شرق آسيا، وتستطيع مصر أن تحذو حذوهم إذا ترسخت الرؤية السياسية المساندة والداعمة وإذا توحدت الإدارة والجهود فى مشروع اقتصادى تصديرى ضخم تدعمه الدولة ويفهمه الشعب ويجنى الجميع ثمرات نجاحه.