أقلام حرة

مقال للكاتب علاء الغطريفي بعنوان : ( أربعينى مصرى.. وقائع ألم معلن )

نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً للكاتب علاء الغطريفي بعنوان : ( أربعينى مصرى.. وقائع ألم معلن ) ، وجاء كالتالي :

تشعر بأن الدنيا أصبحت وراءك رغم أنك تفكر فى الغد، فما جنيته لن يرضيك ولن يكفيك بمعادلة الأيام الصعبة الحالية، أمان اقتصادى، أمان اجتماعى، أمان امتدادك فى الأرض، هل تحقق؟ ومعها ماذا حققت لذاتك؟ وهل هو كاف؟ هل أرضاك؟ هل غرسك فى الواقع؟ هل تركت شيئا يفيد البشرية؟ هل ينظر إليك الناس بالعرفان؟ هل سيذكرونك بالخير؟.

تتنازعك الأسئلة فالخلاص يلوح فى النفس رغم التمسك بالحياة، تتبين ما نوع الخلاص الذى ترغب، فلا تصل إلى إجابة، ترى الأشياء أوضح وفى نفس الوقت تطاردك الشكوك فيما هو قادم، تستأنس الذات للحكمة والنضج وفى نفس الوقت يملؤك التعجل، ترغب فى الاستراحة ويشغلك أيضا الدأب، تشعر بأنك تسير بقدمين عاريتين فى وحل الظروف القاسية وفى ذات الوقت تختال مزهوا بإسهامك الحياتى فى إسعاد من حولك.

جاءت الأيام بشيب لم يخِفْك بل حسبته نعمة من عند الرحمن، رمزا للتراكم والجد، علامة على توازن منتصف العمر.

لعلك فى الأربعين تدرك معنى ما فات وتحاسب النفس وتلزم هدوءا ذاتيا يمنحك قدرة أكبر على التحكم فى مسارات حياتك، فلم تعد ذلك الفتى المتعجل، لم تعد ذلك الثلاثينى المنغمس.

أنت بين ممرات العمر، فى اللحظة الأفضل والوقت الأنسب لتقول من أنت، لتتعرف إلى روحك، لتنتزع منها ما آلمك وفارقت به ذاتك الأولى، إنه خلاص مبدئى مثل كلمات ما قبل الرحيل، التى تقال على حواجز فى مطار أو على رصيف قطار، خلاص بنته على فهم أكبر للرحلة منذ الولادة.

تتجنب السقوط فى يم الأحزان، النهاية تقتحمك بين الحين والآخر بصخب قصص الموت المحيطة، وفى ذات الوقت يسرقك طول الأمل بالعمر المديد، ترغب أن تكون كهلا مؤمنا من ملمات الحياة، ولا تنس ذلك الطفل الذى بداخلك ويلاحقك دوما.

تتمسك بالسعادة، تنظر يوما إلى داخلك فتدرك سلاما فى حين تراها أحيانا فى حرب ينقصها البارود.

لماذا أنت الشىء وعكسه، تخشى الحياة وتحبها، تريد البقاء فيها وترغب كذلك فى مغادرتها، تدرك الواقع وتجهله أيضا، تعتز بصواباتك وتشغلك أخطاؤك.

هل واقعك يبعث على التناقض أم أن العمر هو الذى يدفع إليك بالأشياء المتناقضة؟

الرضا فى مقابل السخط، الراحة فى مقابل العناء، الأمان فى مقابل الخوف، البقاء فى مقابل الرحيل.

كأنك طائر الشوك الذى قالت عنه الأسطورة إنه يبحث عن الغصن الذى يغنى عليه أغنيته الأولى والأخيرة فتكون بصوت أعذب من أصوات كافة المخلوقات، عندما يقوى على الطيران يهجر عشه ليبحث عن غصن ملىء بالشوك، ولا يهدأ حتى يجده وعندما يعثر عليه يغرز فى صدره أحد أشواكه ويبدأ فى الغناء حتى ينزف آخر قطرة من دمه، وتنتهى أنشودته ومعها حياته.

نحن طائر الشوك تتقاسمنا مشاعر شتى، لا تنتهى إلى السكينة، ونستنزف فى مشاق الحياة، أربعون مرت، معها قصص عن الأفراح والأتراح.

عش عمرك مهما كانت المشقة، واشترِ جزيرة على صفحة حياتك واجعلها منتجعا للتأمل وفضاء للاستراحة وواحة للمراجعة، فلم يتبق الكثير، وازرع أملا لعلك تحصده واجعله عطاء وعونا لآخرين، إذا كنت أربعينيا فأنت محظوظ، وهنا عليك أن تدركها قبل أن تدركك، أحب حياتك تحبك.

زر الذهاب إلى الأعلى