نشرت صحيفة ( الشروق ) مقالاً للكاتب عماد الدين حسين بعنوان : (تناقضات النخبة.. وسوء أداء الحكومة فى الوراق) ، وجاء كالتالي :
هناك مفارقة غريبة.. كل المعارضين والناشطين يلومون الحكومة أغلب الوقت على أنها لا تطبق القانون على الجميع بنفس القوة والدرجة، وأشاركهم الرأى فى هذا اللوم من دون نقاش.
لكن بعض هؤلاء ــ وليس كلهم ــ يسارعون إلى انتقاد الحكومة وأجهزتها ــ إذا نفذت القانون على بعض الفئات التى يتعاطف معها هؤلاء الناشطون!
المقدمة السابقة من وحى الأحداث المؤسفة التى شهدتها جزيرة الوراق يوم الأحد الماضى، حينما بدأت أجهزة الأمن إزالة المبانى والمنشآت المخالفة الموجودة على الجزيرة لبدء مشروع تطويرها. هذه الأحداث أدت إلى مصرع مواطن وإصابة 13 مدنيا و31 من رجال الشرطة منهم نائب مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة.
بعد مصرع المواطن وهذا العدد من الإصابات اتخذت الحكومة إجراء حكيما بتأجيل عملية الإزالة حتى تهدأ الأحوال، خصوصا أن تقارير الأمن تقول إن بعض الذين تصدوا لقوات الشرطة كانوا مسلحين بأسلحة مختلفة منها الخرطوش الذى تسبب فى هذا العدد الضخم من إصابات رجال الشرطة وبينهم 8 ضباط.
فى المساء تعاطف بعض الناشطين والمعارضين مع أصحاب البيوت المخالفين، ووجهوا انتقادات حادة للحكومة لأنها تحاول طرد هؤلاء المساكين من بيوتهم. هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم معرفة التفاصيل، ومن هو الذى لديه أوراق ملكية ومن هو منتفع أو معتدٍ أو واضع يد.. وكيفية التعامل مع كل حالة على حدة.
لو طبقنا منطق هؤلاء المعارضين على استقامته فإننا بالمثل علينا أن نتعاطف مع رجل الأعمال الكبير جدا أو الضابط أو المستشار الذى استولى على مئات أو آلاف الأفدنة من أملاك الدولة ولا يريد أن يعيدها.
المبدأ يفترض أن يكون واحدا لكن درجة وطريقة التنفيذ هى التى يفترض أن تختلف، وتلك هى المشكلة التى تقع فيها الحكومة دائما فى السنوات الأخيرة. يكون لديها قضية عادلة، لكنها تخسرها بسوء الأداء والإخراج.
رئيس الجمهورية طلب من الحكومة وأجهزتها قبل أسابيع إزالة التعديات على أراضى الدولة ومنها الجزر النيلية. بعض هذه الجزر ومنها الوراق، يقطنها فقراء ليس لديهم أى بدائل. كان يفترض أن يتم حصر هذه التعديات أولا ــ ويقال إنها 700 حالة ــ ثم يتم الجلوس مع أصحابها عبر الوحدات المحلية أو أعضاء مجلس النواب عن المنطقة، ويتم إعلام السكان على أن الإزالات ستبدأ من تاريخ محدد، وأن من لا يملك أى بيت بديل آخر سيتم تسكينه فى الوحدات المخصصة لإسكان القاطنين بالعشوائيات. وطبقا لما سمعته من مسئول مهم مساء الأحد فإن هناك آلاف الوحدات فى انتظار مثل هذه الحالات الإنسانية. قلت للمسئول بأن هناك اتهام دائم بأنها لا تنفذ قرارات الإزالة الا ضد الفقراء فقط!!. قال الرجل «نحن بدأنا حملة استرداد حقوق الدولة من الكبار أولا.. وأزلنا بعضها بالفعل، وأجرينا ونجرى تسويات لحالات اخرى، ومن لا يصدق عليه مراجعة تفاصيل الحملة التى بدأت قبل شهرين، وسيجد انها تضمنت إزالات وهدما لمنشآت وبيوت وفيللات تخص كل أصناف الكبار من الضباط والمستشارين إلى الوزراء».
لو أن الحكومة حصرت الحالات أولا، ثم جلست مع أصحابها ثانيا، ثم أخبرتهم بالعروض والبدائل المتاحة ثالثا، وأعلنت ذلك للرأى العام، ما كنا قد وصلنا إلى هذه الحالة، وحتى إذا أصر أصحاب المخالفات على موقفهم، فإن صورتهم ستكون غاية فى السوء أمام الرأى العام.
إذا تتحمل الحكومة جزءا من المشكلة، لكن علينا ألا نخلط بين هذا الأداء السيئ، وبين أصل المشكلة وهى أننا بصدد اعتداء على أراضى الدولة التى هى ملكنا جميعا.
من حق من لديهم أوراق ملكية سليمة فى الوراق وغيرها أن يستمروا فيها، ومن اعتدى أو اغتصب الأرض أو وضع يده عليها فالمفترض أن يعيدها أو يشتريها أو يحصل على بديل أو يوفق أوضاعه بأى صورة قانونية.
ذلك هو أصل المشكلة، وعلى بعض المعارضين ان يتحلى بالموضوعية والاستقامة والأمانة وأن يدافع عن المبدأ فى كل الأحوال، حتى لو كان احيانا فى صالح الحكومة!