نشرت صحيفة المصري اليوم مقال للكاتب عمرو الشوبكي تحت عنوان ( العشوائية اختياراً ) .. وجاء أبرز ما تضمنه الآتي :
- لم تكن مصر دولة متقدمة في العصر الحديث ، ولكنها كانت دولة نامية تتمتع بدور إقليمي كبير وأداءٍ ، فيه حد أدنى من الكفاءة ونظام سياسي نعرف حدوده ، وأوله من آخره ، وخطوطه الحمراء والصفراء ، وامتلك بجانب الأمن عقلاً سياسياً يحسب به أموره ، ويتعامل به مع مشاكله ، أيا كانت قدرته على حلها .
- في النظم الديمقراطية يحدد الخطوط الحمراء الدستور والقانون ، ولو حدث انحراف عنها ، يتم التعامل معه على أنه انحراف وخروج عما توافق عليه الناس ، وفى الدول غير الديمقراطية تكون هناك خطوط حمراء ذات طابع سياسي ، تحدد الحلفاء والأعداء ، ففي منطقة الشرق الأوسط ، حيث جيراننا الأتراك والإيرانيون ، وجدنا أن الأولى ، قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم ، وضعت خطوطها الحمراء باستبعاد كل من له علاقة بالإسلاميين من الوصول للسلطة ، وبعد وصول ” أردوجان ” للسلطة ، أقصى تيارات سياسيةً بعينها ، ووصفها بالإرهاب والتآمر ، وحددها ، وأعلنها للجميع . أما في إيران ، فاستبعد النظام السياسي كل من يرفض نظام ولاية الفقيه ، وحتى ثنائية الإصلاحيين والمحافظين ، رغم دورها في تجديد بنية النظام السياسي ، إلا أنها تظل داخل الأطر التي حددها النظام ، ولا تستطيع تجاوزها .
- وفى مصر ، وعلى مدار عصورها غير الديمقراطية ، حددت الدولة في الستينيات أعداءها وحلفاءها علناً ، ووضعت خطوطها الحمراء ، وأقصت كثيراً من المعارضين لخط ” عبدالناصر ” القومي الاشتراكي ، وفى عهد ” السادات ” وضع الرجل الخطوط الحمراء لنظامه ، واعتبر دعم كامب ديفيد ونظامه الرأسمالي وحزبه الوطني الديمقراطي الذى أسسه – أسساً لنيل الأمن والأمان في مصر.
- عادةً كانت هناك دوافع سياسية تقف وراء القمع وتبرره (غير مقبولة تحت أي ظرف) ، أما الآن ، فنحن أمام مشهد صعبٍ فهمه ، وعشوائية لم نرها في عز نظمنا غير الديمقراطية ، وهي أمور تثير أسئلة لا تتعلق فقط بالطبيعة غير الديمقراطية لنظامنا السياسي ، ولا بغياب الخطوط الحمراء التي تعرف أي سياسي أو صحفي أو رجل أعمال أو مواطن على باب الله ، إنها الحدود التي يقف عندها ، وإذا تجاوزها، فسيدفع فيها ثمن مغامرته .
- والحقيقة أن المشاهد التي رأيناها في مصر ، مؤخراً ، دلت على حجم العشوائية المرعبة ، وعدم وضع أي إطار سياسي يحدد طبيعة النظام القائم ، فقد اعتبر قطاع واسع من المصريين أن أعداءهم هم الإخوان وحلفاؤهم ، في حين أن كل من ظهروا في صورة 3 يوليو، خلف وزير الدفاع ، في ذلك الوقت ” السيسي ” ، حين ألقى بيان عزل ” مرسى ” الشهير- اكتشفنا ، بعد فترة قصيرة ، أن الغالبية الساحقة ممن شاركوا أو أيدوا «30 و3 يوليو» إما في السجون أو جرى إقصاؤهم خارج المجال العالم والسياسي ، لصالح تحالف الأمن والبلطجة وبرامج التجهيل الإعلامية .
- النظرية الجديدة التي حلت محل ما مكان سائدا من قبل (على عيوبه ومآسيه) أن صورة المجتمع يجب أن تكون سلبية ، وأن من يختارهم يجب أن يكونوا سيئين لكى تتكرس فكرة أن سبب مشاكلنا هو جهل الناس ، لا غياب دولة القانون وسطوة البلطجة والتدخلات الأمنية .. لم يعد هناك حرص على مراعاة الشكل ، كما كان يجرى في الماضي ، لأن النظم الجمهورية السابقة كانت أدواتها مدنية تمثلت في حزب حاكم ووزراء ، تختلف على توجهاتهم ، ولكن لا تنكر تعليمهم ، أما الآن ، فقد تحولت العشوائية واختيار الأسوأ إلى نمط حياة ، فلم نعد نعرف من مع النظام ومن ضده ومن مع 30 يونيو ، ومن تاجر بها ، ولماذا الإصرار على اختيار الأسوأ ، ولماذا أصبحنا نضغط على الناس بشعارات لا علاقة لها بواقعهم ! دائما لا نجد إجابة .