نشرت صحيفة الوطن مقالاً للكاتب محمود خليل تحت عنوان : ( إحنا فقرا أوى ) ، وفيما يلى أبرز ما تضمنه :
كان واضحاً من سياق حديث الرئيس خلال المؤتمر الدورى للشباب بأسوان، الذى وردت فيه جملة «إحنا فقرا أوى»، أن المقصود بالفقر هنا «الفقر الاقتصادى». تقديرى أن هذا الخطاب كان موجهاً للجميع، وأولى بالاستماع إليه وتأمله السادة المسئولون عن البلاد فى المواقع المختلفة، لأن الكثير من المواطنين أصبحوا يعانون من ضغوط معيشية كبيرة، بعد الإجراءات التى اتخذتها الحكومة فى إطار ما أطلقت عليه «برنامج الإصلاح الاقتصادى»، وبالتالى فهم فقراء أصلاء، والجملة تقرر واقع الحال الناتج عن المشكلات الاقتصادية التى نمر بها. أولى بالمسئولين أن يلتفتوا إلى الجملة الرئاسية ويضعوها نصب أعينهم وهم يتخذون قرارات تتصادم مع مدلولها وما تحمله من معانٍ، وفى الوقت نفسه تستفز الشعب «الفقير أوى»!
إحنا فقرا جداً.. فهل يليق أن يخصص مجلس النواب اعتماداً إضافياً للعام المالى 2015/ 2016 لتوفير 22 مليون جنيه لشراء 3 سيارات جديدة، بقيمة 18 مليون جنيه، ودفع مقدمات لـ17 سيارة أخرى بينها 2 ميكروباص بقيمة 4 ملايين جنيه؟!
طبعاً هذه السيارات دُفع ثمنها بالدولار، والأقساط المتبقية على بعضها ستدفع بالدولار، يحدث ذلك فى وقت تعانى فيه الدولة من نقص فى العملة الأجنبية، وارتفاع غير مسبوق فى أسعارها، بعد قرار الحكومة بتعويم الجنيه.
«إحنا فقرا جداً».. فهل يليق أن تتقدم الحكومة إلى البرلمان بقانون لزيادة مرتبات ومعاشات رئيس مجلس الوزراء، ونواب رئيس مجلس الوزراء، والوزراء، ونواب الوزراء، والمحافظين ونواب المحافظين؟
يحدث هذا فى وقت نفت فيه الحكومة نفياً تاماً وجود أى نية لزيادة الحد الأدنى للمرتبات، بعد ارتفاع معدلات التضخم، وبررت ذلك -بما هو معلوم بالضرورة- بوجود عجز فى الموازنة العامة، وأحاديث لا تنتهى عما يلتهمه بند المرتبات من إجمالى الموازنة.
قرارات كثيرة يتخذها المسئولون بعدد من المواقع -البنك الأهلى على سبيل المثال- بمنح علاوات، ومكافآت، للعاملين بها، ومن العجيب أنهم يبررون ذلك بحالة الغلاء التى ضربت أسعار السلع والخدمات، بعد الإجراءات التى اتخذتها الحكومة بتعويم الجنيه ورفع أسعار البنزين والسولار.. فهل الغلاء يضرب المسئولين ولا يعصر المواطن العادى؟
المسئول هو فى النهاية موظف شأنه شأن أى موظف فى الدولة، ربما كان من حقه أن ينال مرتباً مجزياً نظير عمله، وربما كان من متطلبات المظهر العام أن يقوم مجلس النواب بشراء سيارات جديدة، لكن هل التوقيت الحالى مناسب لاتخاذ هذه القرارات؟. اتخاذ هذه القرارات فى التوقيت الحالى يعنى أن الحكومة و«النواب» يخرجان لسانهما للشعب، لأن كبار المسئولين بهما لا يتوقفون عن الحديث عن الظروف الاقتصادية الحرجة التى تمر بها البلاد، ثم يفاجأ بهم المواطن بعد ذلك يتخذون قرارات لتحسين أوضاعهم المعيشية والوظيفية. المسئول لا بد أن يكون قدوة للمواطن إذا كان يريد الإصلاح. فخير وأسرع وسيلة للإصلاح هى القدوة الحسنة. أما أن يكون حديث المسئولين فى اتجاه وسلوكهم فى اتجاه آخر، فيعنى استمرار الحال، وتمرير الأحوال، وعدم وعى بمغزى عبارة «إحنا فقرا أوى»!