أقلام حرة

مقال للكاتب محمود خليل بعنوان : ( اتركوا الشعب فى حاله )

نشرت صحيفة الوطن مقالاً للكاتب محمود خليل بعنوان : (اتركوا الشعب فى حاله ) وجاء كالتالي :

خطاب شديد الخطورة يتسكع هذه الأيام على أرصفة بعض النوافذ الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعى، كان ظهوره الأول مرتبطاً بالتفجير الإرهابى بكنيستى طنطا والإسكندرية يوم الأحد الماضى. فجأة خرج البعض معبّرين عن خجلهم من كونهم مسلمين!، وبدأ البعض الآخر يتّهم كل شىء فى الإسلام بدعم الإرهاب، والأخطر أن بعض المسلمين اجتزأوا بقدر واضح من الجهل آيات من القرآن الكريم، وقالوا إنها تُشجّع على الإرهاب. ومع تقديرى الكامل لحالة الغضب التى انتابت الجميع جراء العمل الإجرامى الذى ضرب مواطنين مصريين آمنين كانوا يتعبّدون لله تعالى، فإن الغضب يجب ألا يطيش بعقل الإنسان. فليس ثمة علاقة من قريب أو من بعيد بين الإسلام الذى يحمله كتاب الله تعالى والصحيح من سنة النبى، صلى الله عليه وسلم، والإرهاب. واجتزاء الآيات من سياقها، والقفز على أسباب نزولها، وإطلاق الأحكام أمر لا يتسم بأى قدر من العلمية، فمن المعلوم أن آيات القتال فى القرآن الكريم مدارها الحرب، وأنها فى ما عداها منتفية الأحكام. أفهم أن نبذل جهداً فى مراجعة وتنقية كتب التراث من الأفكار الشاذة والمتحفية التى تظهر فيها، لكن أن يطال النقد نصوصاً إلهية، فذلك ما لا يقبله أحد.

لا يفهم أصحاب هذا الخطاب أنهم يُقدّمون هدية للمتطرفين، ومادة خصبة يتاجر بها الإخوان وغيرهم من جماعات الإسلام السياسى على المواطنين البسطاء من أجل دفعهم إلى الانضمام إليهم، حين يقتطعون مقتطفات من هذه الأقوال أو الثرثرات غير الواعية ويستندون إليها فى تأكيد أن النُّخب المسيطرة فى مصر لا تحارب المتطرفين الإسلاميين، بل تحارب الإسلام ذاته. وكلنا يعلم حساسية مسألة الدين بالنسبة إلى المصريين، خصوصاً المصريين البسطاء الذين لا يملكون الوعى الكافى لفهم دوافع البعض فى ما ردّدوه من كلمات ناتجة عن حالة غضب بسبب حادثة مفجعة هزّت الجميع، كما أن البسطاء لا يفهمون أن أفراد الجماعات المتشدّدة شىء والإسلام شىء آخر، وأن حربها على الدولة فى مصر لا تهدف إلى نصرة دين، بل تتّخذ من الدين مطية لتحقيق أهدافها فى الصراع على السلطة، وأنها تريد أن تجعل من البسطاء وقوداً فى معركتها.

خطورة الخطاب الذى يتهم الإسلام نفسه، وليس مجموعة جاهلة متطرفة ممن يدينون به، بالإرهاب، أنه يؤدى إلى انضمام المزيد من الإرهابيين إلى صفوف التيارات المتطرفة، وهو أمر يجب أن يستوعبه جيداً من يتحدثون فى مثل هذه المواقف، إنهم من حيث لا يدرون يسدون خدمة جليلة للتطرّف والمتطرفين، ويشعلون من حيث لا يدركون الفتن، فى وقت تحتاج فيه مصر إلى أكبر قدر من التلاحم والفهم والاستيعاب بين أبنائها حتى تتمكن من الخروج من المرحلة الحرجة التى نعيشها الآن. المصرى المسلم يؤمن بالعقيدة المسيحية، ويستشهد بالإنجيل، كما يستشهد بالقرآن، وأكثر سورة فى القرآن يحب المصريون سماعها سورة مريم، وهذا دليل على حالة القرب الوجدانى بين المسلم والمسيحية، تلك الحالة التى تُجسّدها الآية الكريمة التى تقول: «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى». والمسيحى المصرى مسلم الثقافة، أو كما يُردّد المرحوم مكرم عبيد «مسيحى الديانة مسلم الثقافة». حبذا لو تركت النّخب الشعب فى حاله!.

زر الذهاب إلى الأعلى