نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لمي عزام بعنوان : ( تصحيح مسار يوليو .. الثورة مستمرة ) ، وجاء كالتالي :
تمر اليوم 65 عام على ثورة 23 يوليو، التي مازلنا منقسمين حولها، وأنا أعتقد أن ثورة يناير كانت امتدادا لها، تعديلا لمسارها الذي خرج عنه من حكموا بشرعيتها. رفعت ثورة يناير شعارات يوليو لكن بصياغة تتلاءم مع مزاج الشارع ولغة العصر، أدرك الشعب المصرى بفطنته أن عليه أن يستعيد المسار، الذي ضل عنه خلفاء الضباط الأحرار، الذين تنازلوا عن أهداف الثورة واحدا وراء واحد، حتى معنى «إقامة جيش وطنى قوى» ترجموها بظاهر اللفظ، فحرصوا على تدريب الضباط والجنود وشراء أحدث العتاد والمعدات، وغاب عنهم أن الهدف الحقيقى من إقامة جيش وطنى قوى هو مساندة استقلال القرار السياسى وحماية الشعب وإرادته وأحلامه.
أهداف ثورة يوليو الستة التي حفظناها عن ظهر قلب، مازالت قابلة للتطبيق:
القضاء على الاستعمار.
القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال.
القضاء على الإقطاع.
إقامة جيش وطني.
إقامة عدالة اجتماعية.
إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
حتى الآن لم تحقق مصر أهداف ثورتها، الاستعمار مازال موجودا، وإن تغيرت صفاته وملامحه، فلم يعد بالصورة الفجة التي كان عليها في القرن الماضى، لكنه تبدل إلى صور أخرى أكثر ذكاء وهيمنة، الاستعمار الحديث يخاطب الدول المرتبكة والمشوشة ذات اليقين المتهاوى والنظم الهشة، يتخفى في ثوب العولمة وتحت غطاء مؤسسات دولية تفرض عليك رؤيتها في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية. وبالنسبة إلى القضاء على الإقطاع ولا احتكار رأس المال، لم يتحقق ذلك، فمصر استبدلت الإقطاع بمؤسسات وطنية وطبقة اجتماعية مكونة من رجالات الدولة والدوائر المقربة من السلطة من رجال المال والأعمال، وباعت القطاع العام تحت مسمى الخصخصة الذي أعاد لرأسمال نفوذه واحتكاره لثروات الوطن، نجحت ثورة يوليو في تحقيق العدالة الاجتماعية وإذابة الفروق بين الطبقات في السنوات الأولى، ولكن سرعان ما تراجع هذا المبدأ النبيل مع سياسة الانفتاح الساداتية وما جاء بعدها، لتصبح الفوارق الطبقية أكثر عمقا، وتراجعت أهمية ونفوذ الطبقة الوسطى التي تم إفقارها عمدا.
في كلمة السيسى أثناء افتتاحه لقاعدة محمد نجيب العسكرية في الإسكندرية، أشار إلى ثورة 23 يوليو على اعتبار أنها الثورة التي حققت لمصر الاستقلال وللمصريين الكرامة، فهل راجع السيسى مع نفسه أهداف الثورة أو مع أحد من مستشاريه؟، هل يشعر أنه على خطى الثورة التي مازالت تعطيه شرعية الحكم على اعتبار أنه أحد أبناء المؤسسة العسكرية الحاكمة، هذه المؤسسة التي لها منذ ثورة يوليو وضعية خاصة، فميزانيتها لا يراجعها مجلس النواب ولا تطلع عليها الجهات الرقابية ولا يعرف عنها الشعب شيئا، سوى أنها مؤسسة لا تضع قرشا في جيبها على حد قول الرئيس، ما يجرى بين أروقة المؤسسة العسكرية سرى للغاية غير مسموح بالسؤال عنه أو التحرى حوله.. فهل هذا مآل ثورة يوليو؟ أن تنتج التمييز والطبقية والاحتكار الذي جاءت لتحاربه.
لو تأمل السيسى الأهداف الستة لثورة يوليو التي أشاد بها، لوجد أن حكمه بعيد كل البعد عن مبادئها.. وكذلك من سبقوه.
حدث تغيير حقيقى في بنية المجتمع المصرى بعد ثورة يوليو، لكن بعد سنوات قليلة ضل قادتها الطريق، واستيقظوا من غفوتهم على هزيمة 1967. أدرك عبدالناصر بحسه السياسى والشعبى أن هزيمته لم تكن في ميدان القتال وفقط، ولكن الهزيمة الحقيقية كانت في الداخل: انكسار الحلم والتراجع عن أهداف الثورة التي لم يبق منها شىء في عقل وقلب من قادوا البلاد في ذلك الحين، حيث غلبوا مصالحه الضيقة عن المصلحة العامة، واستعانوا بأهل الثقة بديلا عن أهل الخبرة، وعادت طبقة الإقطاع بمسمى جديد، وتراجعت العدالة الاجتماعية نتيجة الوساطة والمحسوبية ولم تنعم مصر بالديمقراطية. وبدأ ناصر مرحلة مراجعة وإعادة بناء شاملة، وكان على وشك البدء في تنفيذ أحد أهداف الثورة الذي لم يتحقق طوال فترة حكمه وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة عن طريق السماح بتأسيس أحزاب سياسية ووجود معارضة حقيقية.. ولكن مات عبدالناصر ومات معه مشروع إحياء أهداف الثورة، ولم يفكر رئيس بعده في مراجعات تعيد البلد إلى مسار الثورة الصحيح، حتى نستطيع أن نقر بمشروعية هؤلاء الحكام ورثة تنظيم الضباط الأحرار.
بعد مرور أكثر من ستة عقود على ثورة يوليو، لا تزال أهدافها ملهمة للشعب.. وسيظل المصريون في سعيهم لتحقيقها بشتى الطرق وإن غيروا الشعارات لتلائم العصر والمرحلة.. ويخطئ من يظن أن الشعب المصرى ضل طريق الثورة مثل حكامه واستكان إلى حكم المماليك.. فالثورة مستمرة.