نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لوجيه وهبة بعنوان : ( الهيبة والنقد والتثبيت ) ، وجاء كالتالي :
■ رأس الدولة، أى دولة، وأياً كان نظام حكمها، يجب أن يتمتع بحد أدنى من الهيبة والاحترام، فهو رمز للدولة. وليس معنى ذلك تحصين الرؤساء والحكام من النقد المُعارِض البَنّاء، النقد غير المتجاوز معنى ولفظا، بل إن هذا النقد هو إحدى أدوات «تثبيت الدولة». والتثبيت فى هذا المقام بمعنى دعم وتعزيز استقرارها.. الاستقرار لا الركود. أما اختفاء النقد والمعارضة السلمية فهو الذى يهز استقرار الدولة، هو الذى يسمح بـ«تثبيت الدولة»، بمعنى «التثبيت» الدارج فى الثقافة الشعبية، أى بمعنى «تقليب المواطنين»، مثل «تثبيت» المواطنين فوق الطريق الدائرى وسرقة سياراتهم ومتعلقاتهم الشخصية. إن غياب النقد المعارض (من داخل المنظومة أو من خارجها) هو الذى يعطى الفرصة لكل المتربصين فى زوايا «حقوق الإخوان»، على قارعة الطرق السياسية الدولية، يعطيهم الفرصة «لتثبيت الدولة المصرية وتقليبها» أمام البرلمانات والهيئات والمنظمات العالمية.
■ لشاغلى المناصب والوظائف العليا هيبة المنصب فى حد ذاته مبدئيا. ولكن تلك الهيبة تسقط أو تتدعم، وذلك وفقا لإثبات الجدارة، مع مرور الأيام. ومفهوم الهيبة له جانبان، شكلى وموضوعى. وكلما انحدرنا لأسفل سلم التدرج الحضارى للمجتمعات زاد الاهتمام بالجوانب الشكلية، وذلك لتحقيق بيئة فارضة لنوع من الهيبة المصطنعة. وكلما صعدنا لأعلى سلم التدرج الحضارى زاد الاهتمام بالجوانب الموضوعية والكفاءة والجدارة، كعوامل مُكسِبة للهيبة عن جدارة.
■ للزى الوظيفى دلالة، وهيبة ومهابة، فى وقته ومكانه. أما خارج مكانه ووقته فهو يُعرِّض مرتديه للسخرية، وربما للمهانة.
■ والهيبة المكتسبة عبر وسائل القوة المادية والشكلية سرعان ما تزول عند أول اختبار حقيقى.. أى عند تحييد الوسائل الفارضة لها، فيتحول الأمر إلى إهانة واستهانة وسخرية ممن فرض هيبة لا يستحقها. والشعوب حينما يفيض بها وتنقلب على حكام أحَبَّتْهم يوما ما، قبل أن «يتألهوا»، فإنها تنسى كل مآثرهم وتضحياتهم، بل تتعسف أحيانا فى عقابهم على تأبيد حكمهم، (مبارك نموذجا).
■ لنكن صرحاء، تاريخيا وواقع حال، لم ولا يوجد خطر على تماسك الدول الوطنية و«ثباتها»، فى منطقتنا العربية، أكبر من خطر المِلَل والنِّحَل الإسلامية التسلطية.. الإسلام السلطوى، تتغير الأسماء والخطر واحد.. إخوان.. حزب الله.. حماس.. سلفية قاعدة، سلفية داعش، سلفية حوينية.. برهامية.. حسانية.. يعقوبية… إلخ.
■ لا أعرف اثنين يختلفان فى الإقرار بأن خطر «السلفيين» على بلادنا هو أشد هولا من خطر «الإخوان». ويُخيَّل إلىَّ أحيانا أن آليات الدولة فى التعامل معهم هى أشبه بتعامل دولة مبارك فى عقدها الأخير مع كافة تيارات الإسلام السلطوى. أى أن الدولة تتركهم يرتعون فى مختلف أنحاء البلاد، وفى كل مؤسسات الدولة، على شرط ألا يقتربوا من دائرة رئاسة البلاد. وأصبح الأمر هكذا: «غيِّروا والعبوا فى المجتمع من تحت كيفما يحلو لكم.. اغسلوا عقول الناس.. زيدوا من تخلفهم بأفكاركم المتخلفة.. العبوا فى أعماق مصر النائية وعشوائياتها.. فى القرى والكفور والنجوع فى كل أنحاء البلاد.. فى فضائياتكم.. ولكن خليكوا تحت.. ابعدوا عن السلطة.. عن رأس الهرم». استمر الاتفاق الضمنى- والمعلن أحيانا- قائما، وحين آن الأوان سقط رأس هرم نظام الغفلة، دون مجهود يُذكر، فقد انطلقت الحشود، وانتهى الأمر إلى المشهد الشهير، مشهد اعتلاء تيار الإسلام السلطوى سدة الحكم فى البلاد، ممتطيا عاصرى الليمون، فهل تستنسخ الدولة الآن أساليب نظام مبارك التى هوت به؟ لن تستقر الدولة و«تثبت» بتكرار أخطاء الماضى القريب جدا.
■ اصطناع الهيبة حرفة قديمة. لجأ إليها رجال السلطة الروحية (رجال الدين)، كما لجأ إليها رجال السلطة الزمنية (الحكام). لكنها لم تنقرض بعد. تتغير أدواتها وأشكالها، مع مرور الزمن. ولكن الجوهر واحد.. اعتماد على الضخامة فى كل شىء.. البذخ.. والديكورات والإكسسوارات.. فقديما كانت ضخامة المعابد ومقار الحكام وسيلة لإضفاء الرهبة على المكان، ولكى يشعر مَن يدخلون بالانسحاق أمام كهنة المعبد، أو أمام الحاكم. ويلاحَظ فى الدول المتعثرة- (أو قل بوضوح المتخلفة)، كما هو الأمر فى الدول السلطوية الشمولية بكافة أنواعها- أن إخراج لقاءات الحكام فى مختلف المناسبات تراعَى فيه أيضا- فضلا عن الاحتياطات الأمنية الضرورية- مظاهر تبين عن نوع من الانسحاق الشديد لجميع المتواجدين فى المشهد، كأن يتصدر الحاكم المشهد منفردا فى حيز مكانى مُبالَغ فيه، وكأنه صاحب قداسة لا يُمَسّ، كما أن ديكورات المكان وتجهيزاته تبين عن إسراف وتزيُّد. وكل ذلك أساليب قديمة، كانت تنجح فى بث المهابة والوقار على الحكام قديما، وليس فى القرن الواحد والعشرين. لقد مضى زمن «هتلر» و«موسولينى» و«صدام» و«القذافى» إلى غير رجعة.
■ بساطة مظهر الحاكم والمناسبات التى يحضرها تضفى المزيد من الهيبة والاحترام والوقار، وتُخرس ألسنة المتقولين، خاصة فى دولة تعانى وشعب يتحمل ما هو فوق طاقة البشر.
■ من منطلق الحفاظ على هيبة رئيسنا، من داخل منظومة 30 يونيو و3 يوليو، كتبت فى هذا المكان منذ قرابة العامين، كتبت عدة مرات أرجو من السيد الرئيس ألا يرتجل.. فهو غير مؤهل لذلك إطلاقا، وقلنا إن الارتجال ليس شرطا للصلاحية الرئاسية، كتبت راجيا أن يتنبه معاونوه إلى خطورة ذلك- على الأقل- على صورة وهيبة ووقار رئيس مصر. وكتب بعد ذلك، فى ذات الموضوع، آخرون ممن يُعرف عنهم تأييدهم وحبهم الشديد للرئيس. ولكن يبدو أن أحدا لا يجرؤ على مصارحة الرئيس. وليس علينا حرج إذن أن نستنتج أن كل الدوائر اللصيقة بالرئيس قد أضحت هى الخطر الأول عليه وعلى بلادنا، إذ لا تَصْدُقه القول، بل تمارس طقوس تأليه الحكام، واعتبار أنهم لا ينطقون عن الهوى، مهما زلّت ألسنتهم. ولكن الزلل زاد عن الحد المقبول يا سادة.
■ الدول تعمل على حصار الأمراض والقضاء عليها، لا على نشرها بين الناس. وبالمناسبة «الفوبيا» أو«الرهاب».. مرض.
■ صورة «مصر» فى الخارج تنحو نحو اعتبارها دولة تكبت حرية التعبير بدرجة كبيرة. وهذا تقدير فى رأينا يفتقد الدقة وبه مبالغة. والدليل الواضح هو ما يُكتب فى هذه الصحيفة (المصرى اليوم) من آراء، بل إننى أراها- أحيانا- آراء متجاوزة ومنفلتة العيار.
■ لأننا فى دولة بلا ألسنة تعرف كيف تدافع عنها، بل إذا نطقت بعض ألسنتها زادت الطين بلة، لن أمَلّ من تكرار المطالبة بتعيين وزير إعلام على أعلى درجة من الكفاءة، وبصورة عاجلة. وهذا أضعف الإيمان.
■ لن تصلح سياسة تعتمد على الرئيس وحده فى كل شىء.. وعن أى شىء «اسألوا الرئيس»، والرئيس فقط.. لن تستقيم الأمور بمزيد من.. «استعراض الرجل الواحد one man show».
تنشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لوجيه وهبة بعنوان : ( الهيبة والنقد و.. التثبيت ) ،وجاء كالتالي :
■ رأس الدولة، أى دولة، وأياً كان نظام حكمها، يجب أن يتمتع بحد أدنى من الهيبة والاحترام، فهو رمز للدولة. وليس معنى ذلك تحصين الرؤساء والحكام من النقد المُعارِض البَنّاء، النقد غير المتجاوز معنى ولفظا، بل إن هذا النقد هو إحدى أدوات «تثبيت الدولة». والتثبيت فى هذا المقام بمعنى دعم وتعزيز استقرارها.. الاستقرار لا الركود. أما اختفاء النقد والمعارضة السلمية فهو الذى يهز استقرار الدولة، هو الذى يسمح بـ«تثبيت الدولة»، بمعنى «التثبيت» الدارج فى الثقافة الشعبية، أى بمعنى «تقليب المواطنين»، مثل «تثبيت» المواطنين فوق الطريق الدائرى وسرقة سياراتهم ومتعلقاتهم الشخصية. إن غياب النقد المعارض (من داخل المنظومة أو من خارجها) هو الذى يعطى الفرصة لكل المتربصين فى زوايا «حقوق الإخوان»، على قارعة الطرق السياسية الدولية، يعطيهم الفرصة «لتثبيت الدولة المصرية وتقليبها» أمام البرلمانات والهيئات والمنظمات العالمية.
■ لشاغلى المناصب والوظائف العليا هيبة المنصب فى حد ذاته مبدئيا. ولكن تلك الهيبة تسقط أو تتدعم، وذلك وفقا لإثبات الجدارة، مع مرور الأيام. ومفهوم الهيبة له جانبان، شكلى وموضوعى. وكلما انحدرنا لأسفل سلم التدرج الحضارى للمجتمعات زاد الاهتمام بالجوانب الشكلية، وذلك لتحقيق بيئة فارضة لنوع من الهيبة المصطنعة. وكلما صعدنا لأعلى سلم التدرج الحضارى زاد الاهتمام بالجوانب الموضوعية والكفاءة والجدارة، كعوامل مُكسِبة للهيبة عن جدارة.
■ للزى الوظيفى دلالة، وهيبة ومهابة، فى وقته ومكانه. أما خارج مكانه ووقته فهو يُعرِّض مرتديه للسخرية، وربما للمهانة.
■ والهيبة المكتسبة عبر وسائل القوة المادية والشكلية سرعان ما تزول عند أول اختبار حقيقى.. أى عند تحييد الوسائل الفارضة لها، فيتحول الأمر إلى إهانة واستهانة وسخرية ممن فرض هيبة لا يستحقها. والشعوب حينما يفيض بها وتنقلب على حكام أحَبَّتْهم يوما ما، قبل أن «يتألهوا»، فإنها تنسى كل مآثرهم وتضحياتهم، بل تتعسف أحيانا فى عقابهم على تأبيد حكمهم، (مبارك نموذجا).
■ لنكن صرحاء، تاريخيا وواقع حال، لم ولا يوجد خطر على تماسك الدول الوطنية و«ثباتها»، فى منطقتنا العربية، أكبر من خطر المِلَل والنِّحَل الإسلامية التسلطية.. الإسلام السلطوى، تتغير الأسماء والخطر واحد.. إخوان.. حزب الله.. حماس.. سلفية قاعدة، سلفية داعش، سلفية حوينية.. برهامية.. حسانية.. يعقوبية… إلخ.
■ لا أعرف اثنين يختلفان فى الإقرار بأن خطر «السلفيين» على بلادنا هو أشد هولا من خطر «الإخوان». ويُخيَّل إلىَّ أحيانا أن آليات الدولة فى التعامل معهم هى أشبه بتعامل دولة مبارك فى عقدها الأخير مع كافة تيارات الإسلام السلطوى. أى أن الدولة تتركهم يرتعون فى مختلف أنحاء البلاد، وفى كل مؤسسات الدولة، على شرط ألا يقتربوا من دائرة رئاسة البلاد. وأصبح الأمر هكذا: «غيِّروا والعبوا فى المجتمع من تحت كيفما يحلو لكم.. اغسلوا عقول الناس.. زيدوا من تخلفهم بأفكاركم المتخلفة.. العبوا فى أعماق مصر النائية وعشوائياتها.. فى القرى والكفور والنجوع فى كل أنحاء البلاد.. فى فضائياتكم.. ولكن خليكوا تحت.. ابعدوا عن السلطة.. عن رأس الهرم». استمر الاتفاق الضمنى- والمعلن أحيانا- قائما، وحين آن الأوان سقط رأس هرم نظام الغفلة، دون مجهود يُذكر، فقد انطلقت الحشود، وانتهى الأمر إلى المشهد الشهير، مشهد اعتلاء تيار الإسلام السلطوى سدة الحكم فى البلاد، ممتطيا عاصرى الليمون، فهل تستنسخ الدولة الآن أساليب نظام مبارك التى هوت به؟ لن تستقر الدولة و«تثبت» بتكرار أخطاء الماضى القريب جدا.
■ اصطناع الهيبة حرفة قديمة. لجأ إليها رجال السلطة الروحية (رجال الدين)، كما لجأ إليها رجال السلطة الزمنية (الحكام). لكنها لم تنقرض بعد. تتغير أدواتها وأشكالها، مع مرور الزمن. ولكن الجوهر واحد.. اعتماد على الضخامة فى كل شىء.. البذخ.. والديكورات والإكسسوارات.. فقديما كانت ضخامة المعابد ومقار الحكام وسيلة لإضفاء الرهبة على المكان، ولكى يشعر مَن يدخلون بالانسحاق أمام كهنة المعبد، أو أمام الحاكم. ويلاحَظ فى الدول المتعثرة- (أو قل بوضوح المتخلفة)، كما هو الأمر فى الدول السلطوية الشمولية بكافة أنواعها- أن إخراج لقاءات الحكام فى مختلف المناسبات تراعَى فيه أيضا- فضلا عن الاحتياطات الأمنية الضرورية- مظاهر تبين عن نوع من الانسحاق الشديد لجميع المتواجدين فى المشهد، كأن يتصدر الحاكم المشهد منفردا فى حيز مكانى مُبالَغ فيه، وكأنه صاحب قداسة لا يُمَسّ، كما أن ديكورات المكان وتجهيزاته تبين عن إسراف وتزيُّد. وكل ذلك أساليب قديمة، كانت تنجح فى بث المهابة والوقار على الحكام قديما، وليس فى القرن الواحد والعشرين. لقد مضى زمن «هتلر» و«موسولينى» و«صدام» و«القذافى» إلى غير رجعة.
■ بساطة مظهر الحاكم والمناسبات التى يحضرها تضفى المزيد من الهيبة والاحترام والوقار، وتُخرس ألسنة المتقولين، خاصة فى دولة تعانى وشعب يتحمل ما هو فوق طاقة البشر.
■ من منطلق الحفاظ على هيبة رئيسنا، من داخل منظومة 30 يونيو و3 يوليو، كتبت فى هذا المكان منذ قرابة العامين، كتبت عدة مرات أرجو من السيد الرئيس ألا يرتجل.. فهو غير مؤهل لذلك إطلاقا، وقلنا إن الارتجال ليس شرطا للصلاحية الرئاسية، كتبت راجيا أن يتنبه معاونوه إلى خطورة ذلك- على الأقل- على صورة وهيبة ووقار رئيس مصر. وكتب بعد ذلك، فى ذات الموضوع، آخرون ممن يُعرف عنهم تأييدهم وحبهم الشديد للرئيس. ولكن يبدو أن أحدا لا يجرؤ على مصارحة الرئيس. وليس علينا حرج إذن أن نستنتج أن كل الدوائر اللصيقة بالرئيس قد أضحت هى الخطر الأول عليه وعلى بلادنا، إذ لا تَصْدُقه القول، بل تمارس طقوس تأليه الحكام، واعتبار أنهم لا ينطقون عن الهوى، مهما زلّت ألسنتهم. ولكن الزلل زاد عن الحد المقبول يا سادة.
■ الدول تعمل على حصار الأمراض والقضاء عليها، لا على نشرها بين الناس. وبالمناسبة «الفوبيا» أو«الرهاب».. مرض.
■ صورة «مصر» فى الخارج تنحو نحو اعتبارها دولة تكبت حرية التعبير بدرجة كبيرة. وهذا تقدير فى رأينا يفتقد الدقة وبه مبالغة. والدليل الواضح هو ما يُكتب فى هذه الصحيفة (المصرى اليوم) من آراء، بل إننى أراها- أحيانا- آراء متجاوزة ومنفلتة العيار.
■ لأننا فى دولة بلا ألسنة تعرف كيف تدافع عنها، بل إذا نطقت بعض ألسنتها زادت الطين بلة، لن أمَلّ من تكرار المطالبة بتعيين وزير إعلام على أعلى درجة من الكفاءة، وبصورة عاجلة. وهذا أضعف الإيمان.
■ لن تصلح سياسة تعتمد على الرئيس وحده فى كل شىء.. وعن أى شىء «اسألوا الرئيس»، والرئيس فقط.. لن تستقيم الأمور بمزيد من.. «استعراض الرجل الواحد one man show».