أقلام حرة

مقال للكاتب سعيد السني بعنوان : إلا الدواء يا مولاي

نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً للكاتب سعيد السني تحت عنوان : ( إلا الدواء يا مولاي ) ، وفيما يلى أبرز ما تضمنه :

 الذي جرى مع الدواء، هو نفس السيناريو، وذات المسلسل السقيم، المتكرر، دون إبداع أو تغيير.. البداية.. نقص المعروض من سلعة مهمة.. ترتفع الأصوات شاكيةً.. تتوالى التصريحات الحكومية إنكاراً ونفياً.. تتوزع الاتهامات حكومياً وإعلامياً على «المحتكرين»، والجشعين، و«الإخوان» أو «أهل الشر»، بافتعال الأزمة، إحراجاً للحكومة الطيبة المُحبة للشعب.. قد تنطلق دعوات لـ«مقاطعة» السلعة، باعتبارها حلاً.. ثم تأتي «زيادة الأسعار» خاتمةً للمسلسل، «ضمانا» لتوفر السلعة، ولا يكون أمام الجمهور إلا الامتثال والإذعان قهراً، إذ ليس أمامه حل آخر.. نفس السيناريو تقريباً، حدث مع الدولار، وألبان الأطفال، والسكر، والأرز، وغيرها.

«الدواء» قضية مختلفة تماماً.. فالمريض، لا يمكنه مقاطعته كونه علاجاً، أو الاستغناء عنه، كما يفعل مع «اللحوم والمستلزمات الحياتية»، فهذه الأخيرة، يمكن ترشيدها والحياة بدونها.. بينما الامتناع عن تعاطي الدواء المقرر لشخصٍ ما، أو حتى عدم انتظام الجرعات، يعني «علمياً» وبحكم طبائع الأمور، إصابة «الممتنع» بمضاعفات صحية، تصل إلى الوفاة أحياناً، وقد تستمر حياته مؤلمة، يتمنى معها «الموت» للخلاص من الآلام المبرحة، لكنه لا يناله.. وفي ظل «الفقر» الذي يصطاد الآلاف يوميا، ويفترسهم.. فإن زيادة «أسعار الدواء»، يعني حُكماً بالإعدام، لملايين من المصريين، وتركهم يموتون ببطء، آلماَ وعذاباً، وقهراً ومرضاً، حين لا يملك الواحد منهم ثمن «الدواء الموصوف» له.

 تكراراً للسيناريو المُمِل، وبعد أن أرهقنا الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة، صُداعاً خلال الأشهر القليلة الماضية، بتصريحاته العنترية، منكراً «أزمة نقص الأدوية»، واعتبارها مفتعلة، ومجرد شائعات، لاعلاقة لها بتعويم الجنيه.. فقد خرج علينا في مؤتمر صحفي مساء الخميس (12 ديسمبر)، مُنشرحاً وسط عدد من كبار موظفيه، يهللون ويصفقون له، وكانه أتى بفتح عظيم، لم يأت به الأوائل.. معلناً قرار الحكومة بـ«زيادة الأسعار» لثلاثة آلاف صنف دوائي محلي ومستورد، بزيادات تتراوح نسبتها من 30% إلى 50%، شاملة أدوية «الأمراض المزمنة» التي كان «الوزير» قد تعهد منذ أيام، بعدم زيادة أسعارها، ومُشيداً بشركات الأدوية التي كانت هدفاً سابقاً لهجومه.. هذه الزيادة هي الثانية خلال أقل من سبعة أشهر، فقد ارتفعت أسعار الادوية، بداية شهر مايو الماضي، بنسبة 20%، بحجة التغلب على النقص الدوائي.

 في التفاصيل بشأن الزيادة الجديدة لأسعار الأدوية.. فإن الزيادة طالت 15% فقط من الأصناف الدوائية المنتجة محليا، و20% من الأصناف المستوردة، وهذا معناه بداهة أن هذه «الأدوية» التي زادت أسعارها، هي التي ستكون متوفرة دون غيرها، بمعنى أن الأمر لايحتاج إلى ذكاء ولا فراسة، لإدراك أن نقصاً سيحدث في 85% من الأصناف المحلية، و80% من المستوردة، بإجمالي 12 ألف صنف.. أي أن الأصناف التي أعلن الوزير زيادة أسعارها هي التي ستتوفر فقط، بينما سيتم تعطيش السوق الدوائية من تلك التي لم تشملها الزيادة السعرية، بما يُضاعف معاناة المرضى، ثم نكتشف بعد عدة أشهر لن تطول، أن الحل الوحيد لـ«الأزمة المتوقعة»، هو زيادة أسعار الأدوية مُجدداً.

هناك نحو 20 مليون مواطن يعانون أمراض الضغط، وثمانية ملايين مصابون بالسكر، وبين هؤلاء عدة ملايين يجمعون بين السكر والضغط معاً، فيما الملايين غيرهم جميعاً، أسرى أمراض القلب ومئات الآلاف صرعى أمراض مزمنة أكثر خطورة، وأعلى تكلفة، مثل السرطانات وأمراض الدم، وغيرها.. فإذا أضفنا إلى هذا كله أن نصف الشعب تقريباً، بلا تأمين صحي ولا اجتماعي.. فإن تعقيدات المشكلة الدوائية، مع تدهور الخدمات الطبية بالمستشفيات العامة، أصاب «الناس» بالمزيد من المعاناة، في ظل الغلاء والبطالة ومحدودية الدخل، حتى صارت حياة غالبيتهم جحيماً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى