أقلام حرة

مقال للكاتب أحمد الجمال بعنوان : ( السويس يا سيادة الرئيس )

 نشرت صحيفة الأهرام مقالاً للكاتب أحمد الجمال بعنوان : ( السويس يا سيادة الرئيس ) ، وفيما يلى أبرز ما تضمنه :

  مأساة أن يعمد كاتب إلى إنعاش ذاكرة المجتمع ومؤسسات الدولة بأمر بديهى جوهرى يدل تجاهله على الخطر الساحق الماحق المحيط بالوطن ككل،

وهاأنذا بكل الأسى والأسف أحاول الكتابة عن المدينة المحافظة التى جسدت الشرف الوطنى وضربت المثل الأعلى فى الفداء والتضحية والصمود والقتال.. إنها السويس التى ما إن تصل إليها عبر طريق متميز واضح مريح يمتد إليها من القاهرة إلا ويفضى بك هذا الطريق المتميز إلى محنة لا يجوز أن تستمر، إلا إذا جاز أن نقبل بأن نوصف بالجحود والنكران والهروب من كل ما يمثل قيمة عليا رفيعة الشأن فى حياتنا، وكأن حقب التهالك السياسى والانفتاح المنحط قد استولت على وجدان الأمة وجذبته إلى حضيض فكرها وسلوكها وقيمها!

 السويس التى كانت ومازال اسمها علامة فارقة فى تاريخ العالم ومنطقتنا فى المقدمة، إذ يقال ما قبل السويس وما بعد السويس إذا كان الأمر متصلا بتاريخ العلاقات الدولية ومصير الاستعمار القديم وبزوغ حركة التحرر الوطنى العالمية وتجلى إرادة الأمم والشعوب التى رزحت تحت نير الاستعمار والظلم حقبا طويلة.

 السويس منطلق الحجيج حقبا طويلة إلى الكعبة والروضة، ومرسى التجارة البحرية والقوافل البرية ومرتكز العديد من الأنشطة الاقتصادية، وفوق هذا وقبله وبعده بلد الغريب والناس الذين لا يقبلون أن يمس شرفهم الوطني، أى تراب بلدهم، معتد أيا كانت قوته.. وبغير دور هؤلاء الشرفاء الصامدين المقاتلين المقاومين بالسلاح والكلمة واللحن فى حروب مصر منذ 56 إلى 1973 ما كان للمحروسة أن تفخر بما أنجزت سواء فى دحر العدوان الثلاثى أو امتصاص الهزيمة فى 1967 والترتيب للفعل القتالى والمقاوم قبل حرب الاستنزاف وفى أثنائها وصولا لنصر 1973 حيث السويس هى من حسمت الأمر!

 هل يليق مع كل ما سبق وهو غيض من فيض ما يمكن قوله عن نموذج السويس أن يقال دوما إنها مدينة أو محافظة مغضوب عليها من الرؤساء، وبالتالى من مؤسسات الدولة التى لا تخلو لحظة من إمعات لا يميزون بين هوى أى رئيس وبين الواجب الوطني؟!

 

هل يليق أن يتكرر تعيين محافظين للسويس لا يعرفون الفرق بين أسلوب إدارة شركة يعمل فيها الناس عندهم وبين قيادة محافظة استراتيجية ضاربة فى عمق التاريخ وسامقة فى سجل الوطنية والمقاومة ضد العدوان وضد الاحتلال؟

 

وهل يليق أن تمتد أظافر وأسنان القوارض البيروقراطية إلى تراث وطنى ينتمى لحقب عديدة، فتتحول المبانى التاريخية إلى أطلال مخلوعة الشبابيك ومتآكلة الجدران تتكوم أمامها الزبالة، وأن تضيع معالم الأحياء التى تمثل قلب المدينة تحت وطأة الزحام وسوء التخطيط وغياب أى خطط للتنمية والتطوير، مع الحفاظ على الطابع الحضارى والسمات الثقافية ورفض الاستعانة بالخبراء من أبناء السويس الذين يحملون أرقى الدرجات العلمية ويتمتعون بخبرات راسخة وأفق ثقافى عريض وعميق؟!

 هل يليق أن يمرض ويعجز رمز كالكابتن غزالى ولا يجد من يهتم به الاهتمام اللائق من مؤسسات المحافظة والدولة، وهو الرجل الذى كان وسيبقى رمزا للفعل الشعبى المقاوم الجسور؟!

 

لم تكن السويس عالة على الوطن، ففيها البترول وفيها المصافى والمحاجر والمصايد.. وقبل هذا وبعده فيها الإنسان الذى صمد عبر عصور التاريخ لظروف طبيعية بالغة الصعوبة.. ولمن لا يعرف فعليه أن يقرأ ما كتبه المقدسى فى كتابه «أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم»!!

 

إن مستقبلا واعدا يفترض أن تنتظره كل محافظات القناة، أى السويس والإسماعيلية وبورسعيد، وبقية المناطق فى خليج السويس وعلى الامتداد جنوبا إلى آخر نقطة حدود فى البحر الأحمر، ولنا أن نتساءل وبقوة عن حاضر السويس المدينة والمحافظة وعن مستقبلها، وهل ستبقى فريسة لغضب غير مفهوم وغير مبرر، وحتى إذا قال من بيدهم الأمر إنه لا غضب ولا يحزنون وأن هذا وهم، فإن الواقع يقول وبفصاحة مبينة أن الإهمال وتراكم المشكلات واللامبالاة وغياب أى خطط استراتيجية للتنمية المستدامة وللحفاظ على المعالم التاريخية وإنصاف الإنسان، هو ما يؤكد أن ثمة ما هو أكبر من الغضب!

 إننى كما ناشدت السيد الرئيس حول طنطا وكانت الاستجابة المشكورة فيما يتعلق برخص البناء، أناشد سيادته أن يبحث أمر السويس المدينة والمحافظة، ليدخل الفرحة ويزرع الأمل فى حياة ووجدان أبنائها الذين لم يبخلوا بالدم والروح والعرق والقصيدة واللحن.. وللرئيس أن يطلب سماع الكلمات الخالدة واللحن الآسر: «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي.. أستشهد تحتك وتعيشى أنت»!

زر الذهاب إلى الأعلى