نشرت صحيفة الشروق مقال للكاتب عماد الدين حسين ، وفيما يلى عرض للمقال :
صار هناك لغز كبير اسمه عودة السياحة الروسية إلى مصر التى غادرها السياح عقب سقوط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء عقب إقلاعها من مطار شرم الشيخ صباح يوم ٣١ أكتوبر ٢٠١٥.
موسكو قررت وقف جميع رحلات طيرانها العادى والسياحى بعد الحادث، عقب خطوة مماثلة قادتها بريطانيا ودول أوروبية أخرى، حتى تطمئن على وجود إجراءات أمن قوية تمنع تكرار الحادث الذى لا نعلم حتى الآن ما هى أسبابه الفعلية بصورة رسمية، وهل سقطت نتيجة عمل إرهابى، ومن الذى نفذه والأهم من الذى استفاد منه طوال الفترة الماضية؟.
منذ وقوع الحادث، ومصر تبذل كل الجهود لتأمين المطارات والاستجابة لكل المطالب التى تقدمت بها روسيا وبريطانيا والمنظمات الدولية ذات الصلة، بما لا يمس السيادة المصرية والأمن القومى للبلاد، حيث كانت هناك مطالب مغالى فيها بصورة كبيرة.
منذ وقوع الحادث وحتى هذه اللحظة يكاد يكون هناك خبر مكرر فى كل وسائل الإعلام المصرية ــ خلاصته أن وفدا من وزارة النقل الروسية أو هيئة سلامة الركاب والمطارات تفقد أو سيتفقد جميع المطارات المصرية من القاهرة الدولى إلى الغردقة إلى شرم الشيخ.
وفى اليوم التالى يكون الخبر أن الوفد تفقد المطارات ثم غادر البلاد، وفى اليوم الثالث نقرأ خبرا عن أن رئيس الوفد أشاد بإجراءات الأمن المصرية المشددة والمنضبطة، وفى اليوم الخامس نقرأ خبرا أن روسيا بصدد قرب الإعلان عن موعد استئناف حركة الطيران. وأمس الأول قرأنا أن هناك «تفتيشا روسيا أخيرا» على مطاراتنا، وإذا صدر بصورة إيجابية فسوف يكون موعد استئناف الرحلات فى الأسبوع الأخير من فبراير الحالى. وكل شهر أو شهرين يكون هناك اتصال بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين يتطرق إلى العلاقات الثنائية والأحداث الجارية، لكن العنوان الثابت فيه هو: أن السائحين الروس سوف يعودون إلى مصر قريبا!
لم أعد أعرف ماذا تعنى كلمة قريبا فى اللغتين العربية والروسية؟ وهل تغير معناها؟!.
نفس الأخبار السابقة سمعناها وقرأناها عن هيئات تفتيش بريطانية وأمريكية ودولية مختلفة، وجميعها يتحدث أيضا عن قرب استئناف حركة السائحين إلى المطارات المصرية.
للموضوعية فإن هناك شركات طيران أوروبية استأنفت حركة السياحة إلى شرم الشيخ والغردقة ومنها شركات إيطالية، وأخيرا شركات ألمانية بسبب جهود السفير المصرى النشيط فى برلين بدر عبدالعاطى.
قبل شهور قابلت سفيرا لدولة أوروبية كبرى وسألته عن سر تأخر بلاده فى قرار عودة السائحين، فقال إنهم يريدون الاطمئنان أن كل شىء تمام، خصوصا أنه وصلت إليهم معلومة استخبارية أن بلادهم هى التى خطط الإرهابيون لاستهداف سائحيها حينما تم استهداف الطائرة الروسية.
لا أحد ينكر حق أى دولة فى تأمين سائحيها، والاطمئنان على سلامة مواطنيها، ولا ننكر اننا نتحمل مسئولية سقوط الطائرة، طالما أنها تمت فوق أراضينا، ودفعنا ثمنا باهظا لهذا الأمر، لكن المشكلة الحقيقية فى هذا الملف أنه تم خلط الملف السياسى بالسياحى، والأمنى بالاقتصادى!!.
قبل شهور كتبت فى هذا المكان أن قرار عودة السائحين الروس والبريطانيين، صار قرارا سياسيا اقتصاديا وليس قرارا أمنيا. أكثر من مصدر أثق فيه قال لى إن الدولتين تريدان عقد ما يشبه الصفقة. روسيا مثلا تريد التوقيع على صفقة المفاعلين النووين فى الضبعة أو إنجاز صفقات سلاح قبل إعادة السائحين، وبريطانيا ربما لمحت إلى شروط مختلفة تتعلق بمطالب سياسية أو «بترولية» قبل إعادة السائحين.
لكن لا نعرف على وجه اليقين حقيقة ما يحدث خلف الكواليس، وما الذى تريده روسيا أو بريطانيا أو متى ستتوقف رحلات السيد سوكولوف وزير النقل الروسى وبقية مساعديه إلى المطارات المصرية، وماذا تعنى كلمة «قريبا» فى اللغة الروسية؟!
وأتمنى أيضا أن يبادر المسئولون المصريون إلى إخبار الرأى العام بحقيقة ما يحدث فى هذا الملف الذى صار لغزا وعصيا على الفهم والمنطق.