نشرت صحيفة روز اليوسف مقالاً للمهندس مؤمن موسي بعنوان : ( بأيدينا ) ، وجاء كالتالي :
في خلال السنوات الماضية، تسللت الهواتف الذكية إلى أيدي الأغلبية العظمى من المصريين و باتت أمرا واقعا لا نعيرها نفس إهتمام بدايات ظهورها، لأننا تعودنا عليها في حياتنا اليومية. الواقع أن هناك إحتمالا لا بأس به على الإطلاق أنك حاليا تقرأ / تقرأي هذه السطور في نسختها الالكترونية من خلال هاتفك.
الحقيقة المؤسفة أن حجم الاستفادة من إعتيادنا استخدام الهواتف الذكية في مصر يعد نسبة ضئيلة بالمقارنة من حجم استفادة العالم بها، شأنها شأن معظم الأجهزة التكنولوجية التي اقتصر استخدامنا لها على الأساسيات أو الأغراض الترفيهية. نظرة سريعة إلى التطبيقات الموجودة على هاتفك ستدرك أن أغلبها يمكن تصنيفه كتطبيقات للتواصل الاجتماعي أو الألعاب أو تطبيقات التجارة الالكترونية و حجز التذاكر أو السيارات أو ما شابه ذلك. لكن هل هذه هي أقصى استفادة؟
بالنظر إلى حكومة الإمارات العربية المتحدة، سنجد أنها قامت في خلال السنوات الثلاثة الماضية، و بمبادرة من سمو الشيخ خليفة بن زايد، بتحويل كافة خدماتها الحكومية إلى تطبيقات على الهاتف الذكي بحيث أصبح لكل الهيئات الحكومية هناك تواجدا إضافيا بين أيدي المواطنين و الزوار.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبح متاحا لك إذا كنت تعيش في دبي او زائراً لها أن تقوم بواسطة تطبيقات الهاتف بحجز موعد يناسبك لإنجاز خدماتك الحكومية في أي من الهيئات الحكومية ثم تقييم مستوى الخدمة بعد ذلك.هذا بخلاف تسديد فواتيرك ورسوم معاملاتك الحكومية، وتخطيط رحلاتك بالمواصلات الداخلية، ومتابعة رحلات الطيران القادمة والمغادرة، والبحث عن المستشفيات و الفنادق و المطاعم و أماكن الترفيه بل و الحجز فيها أيضا بالإضافة للعديد من التطبيقات الأخرى في كل المجالات و أبسط الأشياء اليومية.
تأثير هذه التجربة يعود بالفائدة على الشقيقة الإمارات في أكثر من نقطة منها:
تسهيل حقيقي لحياة المواطنين و اختصار للوقت الضائع في المعاملات الحكومية مع تخفيف الزحام و تنظيم الإجراءات و تبسيطها
تقليل الفساد لأقصى حد من خلال تقليل الاعتماد على العنصر البشري
متابعة دقيقة للتقارير و الاحصائيات التي تتيحها التطبيقات الذكية عن الاستخدام
تعميق الصورة الذهنية للإمارات بإعتبارها دولة حديثة متطورة و متقدمة
زيادة جذب الاستثمارات
وغيرها من الفوائد العظمى التي نتمناها لمصرنا الغالية.
إذن أين نحن من هذه التجربة؟
للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن نحدد عناصر هذه التجربة كما يلي:
أولا: الإرادة السياسية، و هي متوفرة على مستوى رأس الدولة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أكد في أكثر من مناسبة على إرادته تكسير حواجز البيروقراطية و القيود الحكومية المعطلة للمواطنين بداخل الهيئات و المرافق، و في هذا الصدد فهو يقدم كل الدعم للتحول المنضبط لمنظومة الحوكمة الإلكترونية في إطار حاجتنا “للقفز” – حسب تعبير السيد الرئيس – و تحقيق الإنجازات بأقصى سرعة تعويضا لما فاتنا.
ثانيا: الخطة، و قد بدأت الدولة بجهود مشكورة في وضع خطة تحول للحوكمة الالكترونية، لكننا مازلنا نواجه مشكلة “الجزر المنعزلة” أو الانفراد في التخطيط من جانب كل هيئة حكومية على حدى.
هذا الخطر يمكننا تجنبه إذا كانت هناك هيئة واحدة مشرفة على هذه العملية، تقوم بكتابة استراتيجية مصر الرقمية 2030 لتكون مرجعا موحدا لكل الجهات الحكومية.
ثالثا: العنصر البشري المنفذ، و هنا تكمن المفاجأة – و هي مفاجأة رائعة لحسن الحظ – إذ أن غالبية التطبيقات التي تم تنفيذها في دولة الإمارات العربية و دول الخليج العربي بشكل عام، إنما قام بتطويرها شركات و أفراد مصرية حققت نجاحات مبهرة في هذا المجال و تمتعت بسمعة طيبة من حيث جودة التنفيذ و سرعته، بأيدي مصرية.
و إذا كانت هذه الشركات المصرية العاملة في مجال البرمجيات تفضل التعامل مع حكومات دول الخليج الشقيقة – لأسباب مادية بالطبع – فإنني على ثقة من أن مناخ الاستثمار في مصر الآخذ في التحسن سيغير قبلتهم للداخل المصري في القريب.
و في هذا الإطار فإن الدولة يجب عليها أن تدعم الشركات الناشئة العاملة في تكنولوجيا المعلومات و أن تقدم لها دعما ماديا و تقنيا – كالتدريب و التوجيه – بحيث تكون هذه الشركات قوة ناعمة و فرصة جاذبة للعملة الصعبة. و لا بد أن أعترف أن الدولة جادة في هذا الشأن و تقدم بالفعل هذا الدعم و لكن الأمر يحتاج للمزيد من التكثيف و التوجيه حتى يؤتي الثمار المنشودة. لماذا لا نفكر في برنامج دمج للشركات الناشئة بحيث يكملون بعضهم بعضا؟ إن مثل هذه البرامج يعمق من شراكة القطاع العام و الخاص و هو ما يصب في صالح الدولة.
من العناصر الثلاثة للتجربة نستطيع أن نقول أن مصر على الطريق الصحيح في التحول الالكتروني و استغلال تطبيقات الهاتف الذكي في تقديم الخدمات الحكومية لتصبح بأيدينا. هذا الطريق الذي نتمنى من الله أن يصل بأيدينا نحن المصريون لرفاهية المواطن و هي الغاية الأسمى لتحيا مصر.