نشر موقع اليوم السابع مقالاً لأكرم القصاص بعنوان : ( مستقبل الصحة فى صحة الماضى ) ، وجاء كالتالي :
أحوال الصحة فى مصر أكبر من أن تظل جدلاً على أرضية الماضى، ويخطئ البعض إن أدخلها فى جدل أيديولوجى. تراجع وزير الصحة الدكتور أحمد عماد عن تصريحاته التى حمل فيها مسؤولية تدهور الصحة للمجانية، لكن تظل نظرته للنظام الطبى قاصرة، فكل دول العالم المتقدمة تمول العلاج والتأمين الصحى، ويختلف نظام ألمانيا عن أمريكا عن فرنسا، عن اليابان عن الصين، ويفترض أن يكون وزير الصحة على دراية بهذه الأنظمة وهو يتحدث عن النظام الصحى فى مصر.
ومن واقع تقييم نجاح نظام الصحة والعلاج فى الستينيات فهو ناجح بواقع زمانه، ومن جاء بعد ذلك أوقف الصيانة والتطوير والتوسع، تجربة العلاج والتعليم فى الفترة الناصرية كانت مناسبة لعصرها، وما قدمه الدكتور النبوى المهندس فى إقامة مستشفيات ووحدات صحية كان مناسبا لدولة سكانها 16 مليونا، فضلا على تأسيس الكوادر الطبية من أطباء وهيئات تمريض وغيرها من خدمات معاونة، ولم يكن فقط رغبة لوزير الصحة، لكنه كان اتجاها عاما فى بناء اجتماعى متكامل مثل التعليم، وهو نظام كان سائدا فى العالم كله وليس فقط فى مصر.
كان الطبيعى أن يقوم كل نظام فى عهده بالتوسع والتطوير طبقا لأعداد السكان واحتياجاتهم، كان نظام التأمين الصحى يعالج %40 من السكان، والمستشفيات العامة والمركزية تعالج الباقى، لكن خلال 47 عاما لم يشهد النظام الصحى تطويرا يناسب العصر، والتعلم يتم من تجربة تمت من أسفل وليس من أعلى، وما تم وقتها وبقوانين العصر كان إنجازا، لو تم تطويره بشكل مستمر حسب توسع السكان، وهو ما لم يحدث. بالطبع كانت هناك مجموعة قيم تحكم مهنة الطب اختلت مثلما اختل غيرها من قيم المجتمع.
الآن هناك حاجة لإعادة تقييم الإمكانات الطبية، مع الأخذ فى الاعتبار أن الطب تطور، واستفاد من التقدم فى العلوم الأساسية، الفيزياء والكيمياء وأدوات البحث والكشف والتحليل والأشعة.
وما نراه هو تعطيل لمنشآت طبية وسوء لتوزيع الإمكانات، والأجهزة، وغياب للكوادر والقواعد التى تحكم مهنة الطب، وانفصام بين التشكيل النقابى ووزارة الصحة.
وزير الصحة يتحدث عن أن نظام التأمين الصحى يحتاج 13 عاما ليستقر ويطبق بشكل عام وهى فترة طويلة، خاصة أنه لم يقدم تصورا للخروج من نظام عاجز عن تقديم خدمة طبية مناسبة، ولا يرجع ذلك فقط لنقص المنشآت والإمكانات، لكن بسبب تعطيل وسوء إدارة المنشآت، وهو ما كشفته الأجهزة الرقابية ولم يقابلها قرارات إصلاح، ويبدو دور وزارة الصحة غائبا وضعيفا. أزمة الصحة ليست فى الماضى، لكن فى مستقبل يحكمه الحاضر.