نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لسوزان حرفي بعنوان : ( تركيا.. دولة الحلم الواهم ) ، وجاء كالتالي :
استطاعت أمريكا أن تصنع «الدولة الحلم» لتجذب المهاجرين الطامحين، فهي بلد الرفاهية الذي ينعم فيه الإنسان بكامل الحرية ويحصل فيه على كامل الحقوق، بلد المناخ الملائم ليرتقي الإنسان ويتقدم ويحقق النجاح، كل ذلك في مقابل مجهود وعمل؛ يعرف مسبقا أنه سيحصل على مردوده وافراً..
لكن في الجانب الآخر من العالم وفي مطلع القرن الماضي، ومع ما يمكن تعريفه بمرحلة «الإحياء» الديني، وسقوط ما يسمى «دولة الخلافة الإسلامية»، ومع الاحتكاك المباشر والقسري بالغرب «الكافر» عبر الاحتلال العسكري، جاء الحلم بالاتجاه العكسي، جاء يبحث عمَّن يحمي الدين والمتدينين..
ومثلت «المملكة العربية السعودية» نموذج «دولة الحلم الإسلامي» بعد نشأتها الحديثة، فهي تقوم على تطبيق الشريعة، وترصد الكثير من أموالها لنشر الدعوة خارج حدودها، وتدعم كل ما هو إسلامي أو مَن يدعو له، كما أنها فتحت أبوابها لكل مسلم مضطهد..
ثم كانت «أفغانستان» الدولة الفقيرة التي تحولت إلى «حلم»، وهاجر كثير من الإسلاميين لها بغية إقامة دولة الإسلام على أرضها، بعد نجاح «المجاهدين» في إسقاط أحد قطبي العالم «الاتحاد السوفيتي»، وتفكيك أواصره..
ولقد سمعت ممن سافروا وعاشوا هناك «أنهم كانوا يعيشون بين المجاهدين ثم«طالبان» «عصر النبوة الأولى..»!!، وأنهم شعروا وكأنهم مع الرسول والمؤمنين يحطمون الشرك بفتح مكة، مع تحطيمهم تمثال «بوذا»..!!
لم ينظر هؤلاء إلى كل مخالفات «طالبان» للشرع سواء اجتماعيا أو اقتصاديا، فكل شيء يمكن تبربره، في سياق «الحلم» الذي يغيب معه الوعي وتسيطر الأوهام..
ثم ها هو الحلم يعود في ثوب جديد متجسدا في «تركيا»، هذه الدولة «العصرية» التي استطاعت مؤخرا أن تحجز لها مكانا متقدما في حركة السياسة العالمية، وحققت في الداخل أعلى مستويات النمو الاقتصادي..
فمَن يحكمها ينتمي للتيار الإسلامي، وهو راعي المسلمين في كافة الدول، فهو الخليفة المنتظر، هو مَن أعاد «الحجاب» للمؤسسات التركية، ودخل بقواته لمحاربة نظام بشار الأسد «العلوي» «الكافر»، وهو من فتح حدوده للاجئين السوريين..
كما أنه مَن يقوم بمساعدة محاصري «غزة» بتسيير السفن المحملة بالمتعاطفين والداعمين..!، ثم يفتح سماءه ومطاراته لكل «إخواني» فرّ بدينه من «جحيم الانقلاب على رئيس مسلم».!!.
إنها تركيا الملاذ الآمن لكل ما هو إسلامي، إنها «الدولة الحلم»، دولة الخلافة التي عادت قوية؛ فتية؛ تخوض المعارك المبدئية..
لم يقف هؤلاء الحالمون أمام متاجرة الخليفة «أردوغان» باللاجئين على أرضه في لعبته مع أوروبا، ولا أنه لم يدخل سوريا إلا بغطاء وأوامر أمريكية، أو أنه لم يخُض إلا معارك كلامية سرعان ما يعود عنها ناكسا ناقصا، وأنه يتخطى أي دين وأي قيمة بتنكيله بكل معارض تركي، وإن كان داخل بيته مغلقا عليه بابه..
فهي سطوة «الحلم» على الحالمين، التي تجعل العلاقة مع إسرائيل مجالا لتحسين أوضاع الفلسطينيين!، والعلاقة مع روسيا عقدا مع الكفار لحين الظهور عليهم، وتجعل التنكيل بكل معارض، انتصارا لدين الله ضد المحاربين له، وإن كانوا إسلاميين..!!
إنها سيطرة الحلم، التي تتجاهل أن الهاربين لتركيا من الإسلاميين أنعشوا الحركة العقارية والاقتصاد التركي وأنقذوه من الركود والتضخم، فعلى عكس ما كانت السعودية تفعل من إغداق العطايا والأموال على الفارين إليها، فإن تركيا تنهل من أموال التنظيم الدولي للإخوان الذي يمول مشروعات أتباعه ومَن والاهم وتبعهم..
إنه الحلم الذي لم يرَ أن تركيا تحتضن الفارين إليها ليس إيمانا بقضية عادلة، ولكنهم ورقة رابحة على طاولة السياسة الدولية لم ينفد رصيدها بعد، ولم يظهر من يرمي بورقة أكثر قيمة ليتلقفها «أردوغان»؛ ثم يغمض عينه عمن يحميهم اليوم.. وحتى هذا الحين.. لا عزاء للحالمين.