نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لـ ” مي عزام ” بعنوان : ( هل الشيخ الطيب مستعد لدور تاريخي؟ ) ، وجاء كالتالي :
في المقال السابق، تحدثت عن مخاوف الغرب من تزايد أعداد المسلمين في أوروبا، وبالرغم من أن هذه المخاوف ليس لها أساس منطقي وغير مبررة يحلو لليمين المتطرف في الغرب أن يحوّلها لجولة جديدة من الحروب الصليبية.
رغم التقدم العلمي والتقني المذهل الذي حدث في العقدين الأخيرين إلا أن مخاوف الإنسان البدائية من الأغيار مازالت تتحكم فيه.
عقلاء الغرب لا يتخوفون من الإسلام، لكن يتخوفون من مسلمين يحملون بذور التطرف، الغرب في حاجة ماسة لمؤسسة دينية إسلامية وسطية يحترمها ويجلّها عموم المسلمين في جميع أنحاء العالم، وهو ما ينطبق تمامًا على الأزهر، اللقاء المنتظر بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان الشهر المقبل يتفق مع هذا الطرح الذي لا يخفى عن الأعين.
الأزهر، هذه المؤسسة العريقة، تحتاج شيخًا لا يهاب في الحق لومة لائم، مستقلًا لا يخضع لتعليمات الحكام ولا ضغوط المشايخ، لديه الرغبة والتأهيل اللازم لتنقية التراث الإسلامى مما التصق به وكان نتاج عصر وزمن انتهى، وليس أصلًا من أصول الدين، شيخ لديه القدرة على أن يقدم قراءة عميقة ومعاصرة للتشريع الإسلامى، يزيل عنه القشور ويحتفظ بجوهره دون مساس، يقدم لنا تجديدًا للخطاب الديني على خطى مشايخ الأزهر الأجلاء من أمثال الشيخ مصطفى عبدالرازق، والشيخ محمود شلتوت والشيخ عبدالحليم محمود وغيرهم، وليس على طريقة الدعاة الـ«كول» المنتشرين على القنوات الفضائية، الأزهر يحتاج شيخًا ثوريًا، مثلما كانت الرسل في زمنها، يحمل معولًا يهدم به العادات المضللة وما ألفينا عليه آباءنا من سُنن ليس لها أصل من الدين.
هل الشيخ الطيب تنطبق عليه المواصفات السابقة؟ ربما بعضها، ولقد تابعت بأعجاب كلمته في مؤتمر «الحرية والمواطنة»، كانت كلمة تاريخية، وضح فيها بجلاء ونصاعة، ولأول مرة من رجل دين في موقعه، ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الإرهاب، وكيف يتم لصق الحوادث الإرهابية بالإسلام، إذا قام بها مسلم، في حين لا يحدث ذلك في حالة ما كان الإرهابي مسيحيًا أو يهوديًا، لا يتم الزج بالمسيحية واليهودية في الأمر.
استعان شيخ الأزهر بأمثلة قريبة إلى ذهن المستمع، مما جعل عرضه ذكيًا، جيد الصياغة، يتسم بالإيجاز والوضوح، قال الشيخ الطيب في كلمته: «تبرئة الأديان من الإرهاب لم تعد تكفي، ويجب علينا النزول بمبادئ الأديان وأخلاقياتها إلى الواقع المضطرب»، هذه العبارة يجب أن تكون مهمة الشيخ الطيب في الفترة المقبلة، العالم بالفعل يعيش واقعًا مضطربًا، ليس فقط على مستوى الإرهاب الذي ينتشر كالنار في الهشيم، ولكن على المستوى القيم الأخلاقية الحاكمة بين الناس، التى أصبحت محل خلاف بين الشعوب، وفيما بين الشعب الواحد، وهو ما يؤدي لصراعات داخلية وخارجية.
القيم الأخلاقية والسلوكية المستمدة من الأديان السماوية عالمية وغير محددة بزمان أو مكان، والاحتكام إليها واحترامها وجعلها المرجعية الأخلاقية للعالم، يمكن أن يساهم في تحقيق السلام بين البشر، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بالحوار البنّاء بين الأديان السماوية للتركيز على المشتركات وهي كثيرة، والتجاوز عن الاختلافات. كما أن على رجال الدين أن يقدموا لأتباعهم الدين كدستور حياة بلائحته التنفيذية التي يمكن تطبيقها في حياتهم اليومية، وليس الدين كنصوص تحفظ على الأرفف في المنازل ولا تطبق، وهذا هو المقصود بتجديد الخطاب الديني.
دور الأزهر في الفترة المقبلة في غاية الأهمية، والمطلوب منه ثلاث مهام رئيسية:
تنقية التراث وتجديد الخطاب الدينى.
التقريب بين المذاهب الإسلامية: السنة والشيعة.
الحوار الدائم بين الأديان، وتقديم كل ما يلزم من مساعدة لمسلمي الغرب، لتعريفهم بدينهم حتى لا يقعوا فريسة لدعاة وأئمة يغالون في الدين.
مصر تنازلت طويلًا عن قوتها الناعمة التي كانت تعطي لها نفوذًا ودورًا مهمًا على المستوى العربي والإقليمى والدولي، والأزهر هو ما تبقى لها من هذه القوة ويجب الحفاظ عليه والعمل على استعادة صورته في عقول ونفوس المسلمين في الداخل والخارج، وأنا آخذة على الأزهر أنه لم يجدد أدواته ولم يقم بواجبه في تنقية التراث، وهو ما أقرّه شيخ الأزهر في كتابه «التراث والتجديد… مناقشات وردود» طبعة 2017 في الصفحة 19، حين استعان برؤية بعض كبار مفكرينا الأصلاء الذين وجدوا أن: «التراث يُؤخذ منه ويُرد عليه، يؤخذ منه ما يكون ثقافة تقبل أن نعيشها الآن، ويُرد ما كان منه ثقافة لصيقة بالعصر الذي أنتجها، ولم تعد الآن من هموم هذا العصر أو صوالحه»، أنتظر من الأزهر تحت قيادة الشيخ الطيب أن يطبق ذلك… وبداية لابد أن يكون لديه الاستعداد لهذا الدور المهم والتاريخي، وأن يتم تأهيل العاملين فيه لهذا الدور، والله الموفق.