نشرت صحيفة الوفد مقالاً للكاتب عباس الطرابيلى ، وجاء كالتالي :
لا أعرف شعباً يمتلك موهبة تضييع الوقت.. كما نحن، كل المصريين!!
والقضية ليست فقط في هذا المحمول.. ولكن في كل مراحل حياتنا.. ولاحظوا كيف «يتفنن المصري» في إهدار الوقت.. إذ نسينا حكمة القدماء «الوقت من ذهب».. أو «إذا كان الكلام من فضة.. فالسكوت من ذهب وكل المصريين يقولون: قابلني بكرة.. ولم يحددوا.. متي نلتقي بكرة.. أي بالساعة والدقيقة.. وهو نفس المصري الذي يطلبك ويقول لك قابلني بعد العشاء.. رغم أنه يعلم أن تعبير «بعد العشاء» يمكن أن يمتد الي ما قبل الفجر بقليل!! وهو أيضاً من يقول إذا سألته عن المسافة.. «كلها.. «فركة كعب!!» ثم تكتشف أن هذه «الفركة» يمكن أن تصل الي عدة كيلو مترات!!
بل نكاد نقول إن المصري هو الوحيدـ في العالم ـ الذي يتعامل بالساعة.. ولا يعرف أن هذه الساعة فيها 60 دقيقة.. وأن الدقيقة نفسها فيها أيضاً 60 ثانية!! وأن هذا المصري رغم انه يمتلك في معصمه ساعة حديثة.. إلا أنه يضع هذه الساعة مجرد زينة.. أي جزءاً من كماليات ما يلبس ويرتدي.. ولذلك يضع ساعات ذهبية.. وأخري مرصعة بالأحجار الكريمة.. ولا يفهم المعني الحقيقي لارتداء هذه الساعة.. ورحم الله المصري القديم الذي كان يحمل الساعة أم كاتينة.. في جيب الصديري..
ونفس هذا المصري يقضي أمام جهاز التليفزيون الساعات الطوال ويا ليته يتابع عملاً فنياً راقياً.. ولكنه عبارة عن «هشك.. بشك» يعني هز ورقص.. وخلاعة.. ولذلك نجد نفس المصري يتابع المسلسلات التي يحسب عدد حلقاتها بالعشرات، بل والمئات.. ويا ليته يمضي ربع هذا الوقت في العمل والانتاج.. أو حتي في القراءة التي اختفت من حياة كل المصريين.. واسألوا ناشري الكتب.. بل ومن يصدر كل الصحف الورقية الآن.
ونسأل المصري الآن: رجلاً أم سيدة.. طفلا أم صبياً.. كم يمضي من وقت ممسكا بالمحمول. حتي يكاد ينسي طعامه من كثرة اهتمامه بما يري علي شاشة هذا المحمول، التي برع صانعوها في استغلالها للسيطرة علي العقول.. دون منفعة تذكر. وتابعوا الناس وهي تمضي في الشوارع.. فتري ـ الكل.. نعم الكل ـ يمشي أو يركب وهذا المحمول علي أذنه.. لاأدري هل يتابع عملاً نافعاً.. أم هي «هواية» الرغي.. حتي حصل المصري علي الميدالية الذهبية في دورات هذا المحمول، هذا القاتل الرهيب الذي يسيطر علي عقول المصريين، ويبعدهم عن أي انتاج حقيقي..
وأكاد أقول إن أعداءنا عرفوا كيف يقتلون في المصري عشق العمل الذي كان يفخر به.. حتي لا يتقدم المصري، إذا عمل أو انتج، أقول ذلك رغم أنني لا أومن كثيراً بنظرية المؤامرة.. ولكنها موجودة عندنا.. ويا ليتنا نعلم أن متوسط قضاء المصري من وقت مع هذا المحمول يعادل عشرة أضعاف ما يقضيه المواطن الكوري الذي يكاد يسيطر علي انتاج المحمول في العالم كله..
<< فهل نحن هكذا بارعون في فن اضاعة الوقت.. أم تلك عادة تأصلت في المصري، بدليل أننا ومن سنوات، نجد أن متوسط ما يمضيه المصري في الانتاج يحسب بالدقيقة.. ولا يمكن أن يحسب أبداً بالساعات..
وعجبي من شعب يقتل حاضره.. ويدفن مستقبله في الرغي وعدم الإنتاج