إلى الرئيس: «أين حولك.. ومن الذين يقفون فيه؟»
أعارض السلطة وأتجاهل ذيولها
إلى الشهيد البطل «أحمد منسى»، الذى رابط وأربعة جنود فى وجه الإرهابيين التكفيريين حتى لقوا ربهم، وسمعناه يصرخ بما صرخ به شبابنا فى الميادين: «يا نجيب حقهم لنموت زيهم»، لقد ذكرتنى أيها الرجل الشجاع بما قاله جندى روسى فى الحرب العالمية الثانية، وهو يستميت فى الدفاع عن أرض بلاده: «لو فقدت ذراعى سآكل بذراعى الأخرى، ولو فقدت الاثنتين بوسعى أن أمشى إلى حيث أحب، ولو فقدت ساقى اليمنى سأراقص حبيبتى باليسرى، ولو فقدت الاثنتين سأريح جذعى على صدرها. ولو فقدت عينىّ سيكون بوسعى أن أسمع الموسيقى، ولو فقدت أذنىّ سيكون بوسعى أن أشم رائحة الورد الطيبة. أما لو فقدت وطنى فما عساى أن أفعل؟ّ».
فقدت أنت يا منسى حياتك، ومعك جنودنا الطيبون، من أجل ألا يحقق الإرهابيون حلمهم باقتلاع جيشنا من هذه البقعة من سيناء لتنفيذ مشروع إقليمى جهمنى، إما بإقامة إمارة داعشية هناك، أو إجبار مصر على قبول وطن بديل للفسلطينيين على أرضنا، كما تريد إسرائيل ومن ورائها أمريكا.
(كتبت هذا قبل أن يخرج المتحدث العسكرى ليكذب التسجيل الصوتى المنسوب للمنسى الذى ساح فى فضاء الإنترنت ساعات، لكن لم أشأ أن ألغى شيئا مما كتبت لأنه عبر عن انفعالى فى لحظة عصيبة كنا نمر بها، ولأن ما ورد فيه عن الوطن يجب أن يقال فى أى وقت وأى مكان)
( 2 )
أزعجنى، شأنى شأن كثيرين، ما قرأته عن أمر النائب العام المستشار نبيل صادق، بفتح التحقيق فى البلاغ المقدم من المحامى أشرف سعيد، ضد أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان الدكتور يحيى القزاز، القيادى السابق بحركة «تمرد»، والذى يتهمه فيه بإهانة رئيس الجمهورية، من خلال التحريض على قتل رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى. وأورد فى البلاغ أن القزاز اتهم الرئيس بالخيانة وطالب بإعدامه أيضا على خلفية تمريره وموافقته على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود، التى تم بمقتضاها نقل تبعية جزيرتى تيران وصنافير من مصر إلى السعودية.
كان القزاز يشعر بما سيجرى له، إذ كتب على صفحته قبل ساعات من قرار النائب العام يقول: «ادخار القرش الأبيض لليوم الأسود، وادخار القوة لوقت الشدة، والمبالغة حرصا فى ادخار القوة فى وقت الشدة هروب مقنع». وقال أيضا: «أدرك أننا فى حرب غير متكافئة مع سلطة مفرطة.. قبل أن تطالبونا بالصمت طالبوهم بالعدل واسترداد الأرض». وقال كذلك: «لم أدع يوما أننى أحارب معركة تحرير وطن، فأنا لست غاندى ولا جيفارا، أنا أدافع عن حقى فى وطن، وطن بحجم مصر لا يدافع عنه ويحرره إلا جميع المصريين».
وقبل البلاغ بيومين فقط قام رئيس جامعة حلوان بإحالة القزاز إلى التحقيق لأنه يكتب على «فيسبوك» ما يسىء للرئيس، وقد علق القزاز على هذا بقوله: «تحقيقات الجامعة بتهم لا وجود لها فى قانون تنظيم الجامعات هى تعسف فى استخدام السلطة للتنكيل بالمعارضين مجاملة للرئاسة، وأشياء أخرى الله يعلمها».
عجيب ما فعله رئيس الجامعة، وكذلك ما أقدم عليه المحامى، فإن كان القزاز قد كتب هذا فعلا، فكلنا قرأنا مثله على آلاف الحسابات الشخصية بموقعى «فيسبوك» و«تويتر»، فإما أن يحصر المحامى كل هؤلاء، الذين كتبوا ما كتبوه فى لحظة كانت الأعصاب ملتهبة، والرفض لهذا الاتفاق قد بلغ أشده، ويقدم عشرات، وربما مئات الآلاف من البلاغات، وإما أن يسحب بلاغه، ويعتبر القزاز مجرد واحد من الغاضبين. أما رئيس الجامعة فعليه احترام الحياة الأكاديمية، ولا يصعر خدها لخدمة السلطة.
يكفى أن أقول للجميع شهادة فى حق القزاز، يمكن أن تغفر له عند مطارديه، ألا وهى أنه الصاحب الحقيقى لفكرة «تمرد»، فقد طرح فى أحد اجتماعات «الجمعية الوطنية للتغيير» فكرة سحب الثقة من الدكتور محمد مرسى، ومطالبته بانتخابات رئاسية مبكرة. وقد انتقلت من هذا الاجتماع إلى واحد من الشباب فتنباها، وحدث زملاءه بها، فأخذها ونسبها لنفسه، وعلا صوته بها، فظن الناس أنها من إبداعه، ثم دخلت جهات عديدة على الخط وتلقفت الفكرة وعملت على إنجاحها. كان الدكتور يحيى القزاز هو أول من أطلق الفكرة، لكنه، كعادته، لا ينتظر أمام مواقفه الوطنية جزاء ولا شكورا من أحد.
( 3 )
كتب الملك الفرعونى الكبير خيتى إلى ابنه مريكارع، نصحه فيها بما يجب عليه أن يفعل حين يتولى حكم مصر. يقول خيتى لابنه:
«تحل بالفضائل، حتى يثبت عرشك على الأرض
هدئ من روع الباكى
لا تظلم الأرملة
لا تجرد أحدا مما يملك
ولا تطرد عاملا من عمله
ولا تغدر بزميل لك تلقى معك العلم
ولا تكن فظا بل كن رحيم القلب
اجعل هدفك حب الناس لك
لا ترفع ابن الشخص العظيم على ابن الشخص المتواضع
قرب إليك الإنسان الكفء
ارفع من شأن الجيل الجديد لكى تحبك الرعية
المدينة مليئة بالشبان المدربين، فاجعل من هؤلاء أتباعك
وامنحهم الممتلكات، وهبهم الحقول
وائتمنهم على القطعان».
ومن عمل بهذه الوصية من حكام مصر رفعه الناس فوق الرؤوس، وحفر اسمه فى سجل تاريخ بلدنا العظيم العريق بحروف من نور، ومن خالفها خسر خسرانا مبينا.