أقلام حرة

مقال لعبد الفتاح الجبالى بعنوان : ( مصلحة المواطن وزيادة الأسعار )

نشرت صحيفة الأهرام مقالاً لعبد الفتاح الجبالى بعنوان : ( مصلحة المواطن وزيادة الأسعار ) ، وجاء كالتالي :

فى تبريره لرفع أسعار المياه والصرف الصحى اعلن المتحدث الرسمى للشركة القابضة أن هذه المسألة تأتى فى مصلحة المواطن المصري. وبالطبع لم يكن يذكرها على سبيل المزاح أو الدعابة ولكنه يتحدث بجدية وتلقائية كاملة. وهذه العبارة صحيحة تماما ولكنها ناقصة تعريف من هو المواطن المقصود فى الحديث المشار إليه. فإذا ما قمنا بتعريف المواطن الذى يقصده المتحدث الرسمي، والذى تتحدث عنه الحكومة المصرية باعتباره ذلك المواطن صاحب ملاعب الجولف وقاطن القصور والمنتجعات وغيرهم هم الشرائح الاجتماعية العليا فيصبح الحديث منطقيا تماما ولاخلاف معه، أما الشرائح الاجتماعية الأخرى كالفقراء أو الطبقة الوسطى فهم لايدخلون ضمن هذا التعريف وفقا لهذا التوجه. ولا صحة إطلاقا للحديث عن تحريك الشرائح وفقا لمستويات الدخول لسبب بسيط للغاية وهو أن معظم العقارات فى مصر ليس لديها عدادات للمياه وبالتالى تحاسب العقارات كوحدة واحدة ومن ثم تتخطى الشرائح. ومع تسليمنا الكامل بضرورة تحريك الأسعار بما يتناسب مع التكلفة إلا أننا مازلنا نرى أن هناك زيادة كبيرة وغير مبررة فى هذه التكاليف خاصة الهدر والفاقد فى المياه المنتجة, حيث تشير إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى تزايد هذه النسبة والتى ارتفعت من 12.2% عام 2002/2003 إلى 18.2% عام 2010/2011 ووصلت الى 29.7% عام 2015/2016 وكلها امور تزيد من تكلفة الإنتاج ويتحملها المواطن.

ويبدو أن هذه هى السمة العامة فى الخطاب الحكومى الراهن وخير دليل على ذلك ما صرح به وزير البترول فى تبريره لعدم زيادة اسعار البنزين 95 بنسبة تتلاءم مع نسب الزيادة فى المنتجات الاخرى، حيث اشار الى انه يهدف لمصلحة المواطن الذى سيلجأ إلى بنزين 95 بدلا من 92 نظرا لتقارب الاسعار مما يساعده على الحفاظ على سيارته ويزيد العمر الافتراضى لها، وبالطبع لايخفى على القاريء من هم اصحاب هذه السيارات، ولذلك لم يكن غريبا أن تزيد أسعار اسطوانة البوتاجاز من سبعة جنيهات الى ثلاثين جنيها فى أقل من عام لأن مستهلكى هذه الاسطوانة هم فى الغالب من الفقراء أو الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى وهو ما يتضح من نسب توزيعها بين المحافظات المختلفة، اذ تشير بيانات وزارة التموين إلى أن أعلى نسب استهلاك اسطوانات البوتاجاز توجد لدى المحافظات الأكثر فقرا فعلى سبيل المثال فى بنى سويف حيث نسبة الفقراء تصل إلى 44% تصل نسبة الاستهلاك الى 37،6% وبالمثل فى اسيوط حيث نسبة الفقراء 66% فإن المعدل يصل إلى 33% وفى سوهاج حيث نسبة الفقراء 65،8% تصل النسبة الى 34% وفى مقابل ذلك نجد فى القاهرة النسبة لاتتجاوز 20% ونسبة الفقراء بها 17،5%. وكلها أمور تشير إلى أن النسبة الغالبة من استهلاك البوتاجاز هى الفقراء والطبقة الوسطي.

يضاف إلى ماسبق ماتحدث عنه وزير التموين حين استعرض الزيادة فى الأموال المخصصة لدعم البطاقات التموينية مشيرا إلى أنها لن تفيد الأسر التى يزيد أفرادها عن أربعة مع العلم بأن أغلب المستفيدين من البطاقات التموينية هم ممن يزيد عددهم على أربعة أفراد اذ تصل نسبتهم الى 46% من اجمالى المستفيدين ناهيك عما تشير إليه الدراسات من أن الفقراء هم ممن يزيد عدد افراد الأسرة على اربعة (حيث تزيد نسبة الفقر مع زيادة حجم الاسرة اذ ان 44% من الاسر التى بها 6-7 أفراد من الفقراء بينما 6% فقط من الأفراد الذين يعيشون فى أسر أقل من 4 أفراد هم من الفقراء) ومن المفهوم هو أن الدعم يوجه للفقراء دون غيرهم ولاينبغى أن يفهم من ذلك أننا ضد تنظيم الأسرة ولكن تلك قضية أخرى ولها أدوات مختلفة.

وينطبق نفس الوضع على تعديلات قانون الضرائب التى تمت خلال المرحلة الراهنة حيث نزلت بمعدل الضريبة على الشريحة العليا من 25% إلى 22.5% كما ألغت الضريبة الإضافية التى كانت قررت بنسبة 5% وهى كلها تدخل ضمن الاعباء على الاغنياء، وعلى العكس من ذلك فقد ضيقت الشرائح الدنيا.. ناهيك عن إيقاف العمل بالقانون رقم 53 لسنة 2014 والخاص بتعديل بعض أحكام قانون الضرائب على الدخل والذى تم بمقتضاه إخضاع صافى الدخل المتحقق من التعامل فى البورصة للضريبة على الدخل وذلك بالنسبة للمصريين والأجانب حيث تم فرض ضريبة بواقع 10% على توزيعات الأرباح عن الأسهم والحصص التى يحصل عليها الشخص الطبيعى المقيم فى مصر من شركات الأموال والأشخاص عدا التوزيعات المجانية سواء تحققت هذه التوزيعات فى مصر أو الخارج، وأيا كانت صورة هذه التوزيعات وكذا الأرباح الرأسمالية المتحققة من التصرف فى الأوراق المالية أو الحصص بالشركات. وعلى الرغم من ايجابية العمل بنظام الخصم الضريبى الذى تم إقراره أخيرا فإننا نلحظ أنه ساوى بين متحصلى الاجور ومكتسبى الدخول من المهن الحرة رغم عدم سداد المجموعة الثانية الضريبة المستحقة عليها.

وينبغى ألا يفهم مما سبق أننا ضد الإصلاح الاقتصادى وتعديل المسار الراهن ولكن القضية تكمن فى آليات تحقيق هذه المسألة إذ إنه وكما هو معروف فإن اختيار بديل تنموى معين لايعد عملا فنيا محايدا على الاطلاق، وذلك لان كل بديل ينطلق من رؤية معينة ومصالح محددة وتترتب عليه نتائج مختلفة لفئات المجتمع، بل ان اختيار بديل معين قد يترتب عليه اتخاذ مواقف معينة تجاه قوى أو دول أخري. من هنا تأتى أهمية الحوار المجتمعى للوصول إلى أفضل البدائل التنموية المتاحة لتحقيق الأهداف التنموية المنشودة.

ويشير الفكر الاقتصادى إلى أن نجاح سياسة اقتصادية معينة، يتوقف على تحقيق مجموعة من الشروط، مع ضمان استمراريتها فترة لابأس بها من الزمن، وهى تتعلق بالأساس بتحقيق معدل نمو للناتج المحلى الإجمالي، يفوق معدل النمو السكاني، حتى يمكن تحقيق تحسن فى مستويات المعيشة، وإيجاد فرص توظف لكل الداخلين إلى سوق العمل، والوفاء بمتطلبات الاستقرار فى الأسعار، مع توزيع ثمار النمو على كل فئات المجتمع، والحد من التفاوت فى توزيع الدخل. من هنا تلعب الدولة دورا مهما فى اختيار وتحديد السياسات والأدوات اللازمة للنمو. وتحديد الآليات التى تضمن كفاءة عمل الأسواق بشكل سليم، وهذا يعنى ببساطة إيجاد بيئة تنافسية تدفع للمزيد من الكفاءة فى الإنتاج، مع ضمان عدالة التوزيع والارتفاع بمعدلات التنمية البشرية وتحقيق الرفاهية والارتقاء بمستوى معيشة الأفراد.

زر الذهاب إلى الأعلى