مقال لعبد الناصر سلامة بعنوان : ( دستور يا أسيادنا )
نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً لعبد الناصر سلامة بعنوان : ( دستور يا أسيادنا ) ، وجاء كالتالي :
بقدرة قادر تحول الحديث عن الدستور المصرى من دستور دولة عظيمة ضاربة فى أعماق التاريخ، لا يجوز ولا يصح المساس به قولاً أو فعلاً، إلى دستور اللت والعجن والمزايدات، فبدلاً من إضفاء القدسية على ذلك الدستور كغيره من الدساتير السابقة، فيما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ تحديداً، وكغيره من دساتير العالم المتحضر، أصبح لا يزيد قدراً وقيمة عن تحية الصباح والمساء، أو بمعنى أصح تحية استئذان دخول المنزل فى قريتنا وقرى الوجه البحرى عموماً، ممثلة فى دستور يا أسيادنا، التى نسمعها بمعدلات كثيرة على مدار اليوم، كما هو الحديث الآن عن الدستور تماماً.
اللت بدأ بجس النبض وأن الدستور تم إعداده على عجل فى مرحلة غير مستقرة، والعجن وصل إلى حد التذرع بأن الدولة لا تستطيع الإنفاق على انتخابات رئاسية، كما اللت بدأ بتعديل مادة الانتخابات الرئاسية، ثم وصل العجن إلى تعديل مواد تتعلق بالحد من سلطات البرلمان فى التعديل الوزارى أو فى تغيير الحكومة عموماً، اللت بدأ بتعديلات تتعلق بالإجراءات الجنائية، والعجن وصل إلى حد المادة المتعلقة بتعيين وإقالة وزير الدفاع والتى لا تجيز إقالته إلا بموافقة البرلمان، كل هذا وغيره يؤكد أنه بمجرد فتح الباب، أو بمعنى فتح الدستور للتغيير سوف يكون كل شىء ممكناً، خاصةً فى ظل وجود برلمان يفتقر إلى الثقة على المستوى الشعبى على الأقل.
الغريب أن رئيس البرلمان نفسه يطالب بتعديل الدستور للحد من سلطات البرلمان فيما يتعلق بتعيين الحكومة والوزراء على سبيل المثال، هو لا يدرك أنه بمجرد أن صرح بذلك يكون قد فقد شرعيته تماماً، ذلك أنه من المفترض أن رئيس أى برلمان يطالب بصلاحيات أوسع لذلك البرلمان وليس العكس، الوضع نفسه ينطبق على النواب الذين حملوا على عاتقهم هذا المطلب الغريب، الذى زاد من هوة الانقسام فى المجتمع، وكأن المستشارين أو الناصحين يعجلون بأمر ما ليس فى صالح النظام من كل الوجوه.
إلا أن الأمر الأكثر غرابة، هو أننا نستطيع مقدماً الإشارة بالبنان إلى هؤلاء الذين يؤيدون هذا المخطط تبعا لمواقفهم السابقة دون زيادة أو نقصان، بمعنى أننا سوف نجد الموافقين على تعديل الدستور هم الموافقين على طول الخط، هم الذين وافقوا على التنازل عن جزيرتى البحر الأحمر (تيران وصنافير) هم الذين يوافقون على قانون التظاهر، هم الذين يوافقون على كبت الحريات، هم الذين يؤيدون فرض مزيد من الضرائب، هم الذين لا يستنكرون تقصير الحكومة تجاه أزمات المواطن اليومية، هم الذين يصفقون ويهللون طوال الوقت، بمعنى أن شؤون الدولة أصبحت تدار من خلال هؤلاء، أو من خلال منظومة من شأنها استعداء الرأى العام ككل على النظام، وهو أمر فى حد ذاته أيضاً فى حاجة إلى دراسة.
فقط أصوات فردية معارضة تتسلل بين الحين والآخر من خلال مقالات رأى فى صحيفة أو اثنتين، على اعتبار أن بقية الصحف تنحو فى اتجاه الفوبيا والتثبيت، كما بيان من هنا أو هناك يأتى مستنكِراً كالذى أصدره السيد عمرو موسى، إلا أن الأحزاب السياسية تتعامل مع الوضع على اعتبار أنه لا يعنيها، أو أنه يتعلق بدولة موزمبيق مثلاً، ومن ثم لا يجوز التدخل فى شؤون الدول ذات السيادة، بينما الرأى العام يستنكر وهو فى حالة انشغال إما بالكلاسيكو المصرى والكلاسيكو الإسبانى، أو بضيق ذات اليد نتيجة الحالة المعيشية المتدهورة، وقد يكون الانشغال مع زهر الطاولة على المقاهى، حتى يطرح حادثاً جديداً نفسه ما بين تصادم قطارات أو انهيار عمارات أو غرق مراكب، فى الوقت التى أصبح فيه ضحايا الإرهاب مجرد أرقام يومية.
ربما كان ذلك هو الرهان الذى من خلاله يمكن تمرير كل شىء وأى شىء، وعلى الرغم من كونه رهاناً خاسراً فى كل الأحوال، إلا أن مستشار علم النفس كان قد أعلنها مدويةً منذ البداية، وهى أن الشعب يجب أن يجوع إذا أردنا استمرار الحياة!!، بما يؤكد أن كل شىء تم الإعداد له بعناية، حتى بعض الحوادث الصارخة أو شديدة القتامة، لذا لم نجد من يطالب باستفتاء مبكّر كذلك الذى طُلب من الرئيس الأسبق محمد مرسى، أو بانتخابات مبكرة كتلك التى كانت مطروحة حينذاك، بل على العكس، تحول الحديث إلى مد فترة الرئاسة، ومد مُدد الرئاسة، وتغيير ما ورد بالدستور بشأن الرئاسة، بل الاستمرار مدى الحياة!!
ما أود الإشارة إليه هو أن الاعتراض على تعديل الدستور أو حتى تعليق العمل به لن يغير من الأمر شيئا، ذلك أن التجارب السابقة أثبتت أن الأوضاع تسير فى اتجاه واحد ومحسوم مسبقاً، حتى لو اعترضت الغالبية، إلا أن المثير للدهشة وما لا أجد إجابة عنه هو ذلك السؤال الذى يطرح نفسه بقوة: لماذا هذا الخوف وهذا الهلع من الانتخابات الرئاسية، فى الوقت الذى تم التخلص فيه من جميع المنافسين المحتملين، ما بين الوجود خارج مصر، أو فى السجن، أو بالتشويه، أو بإمكان المنع من الترشح لأى سبب كما حدث مع الراحل اللواء عمر سليمان فى مرحلة سابقة، أو حتى بما فى جراب الحاوى من إبداعات متوقعة، بدلاً من تلك الافتكاسات الممقوتة؟!