نشر موقع اليوم السابع مقال للصحفي أكرم القصاص بعنوان ( الدواء.. استنساخ الأزمات والتبريرات ) جاء كالتالى :
بينما تتواصل التحقيقات مع مدحت شعراوى، الرئيس السابق لشركة أكديما للدواء، والمتهم بالتلاعب فى استيراد وتوزيع البنسلين، تتواصل أزمات نقص بعض أصناف الأدوية، منها أدوية للأمراض المزمنة والمستعصية، خاصة بعلاج السرطان والشلل الرعاش ومستلزمات الجراحة وصبغات الأشعة، فضلًا عن أزمات مؤقتة أو متكررة فى أدوية السكر والقلب، مما يضطر الأطباء لكتابة بدائل أعلى سعرًا، أو تتعطل العمليات، ويعانى المرضى فى البحث عن الدواء أو شرائه من السوق السوداء.
مسؤولو الإدارة المركزية لشؤون الصيدلة بوزارة الصحة يقولون إن هناك تتبعًا لأكثر من 4500 صنف دوائى يوميًا، للتأكد من توافرها وسلامتها، ويعترفون بوجود أزمات فى بعض الأصناف، منها أدوية لأمراض مزمنة وخطيرة، وهناك حديث دائم عن عمل لجنة عليا للنواقص، للتنبؤ بالأزمات أو نقص بعض الأصناف، وهى لجان ومجالس تتكون وتظهر بعد حدوث الأزمات وليس قبلها، وبعضها ليس له دور فاعل أو حقيقى.
أزمة البنسلين كشفت عن لعبة رئيس شركة أكديما السابق مدحت شعراوى، المتهم بنقل استيراد وتوزيع البنسلين من الشركة العامة لى شركته الخاصة، واحتكاره وتعطيش السوق.
ولا يوجد ما يمنع من تكرار اللعبة فى أدوية أخرى، أو تدخل بعض الشركات العالمية لوقف إنتاج أدوية محلية لتسويق منتجاتها البديلة الأعلى سعرًا.
نحن أمام استنساخ لأزمات الأدوية، يكشف عن خلل فى عمليات التوقع والتسجيل، فضلًا عن تكرار الأزمات فى إنتاج أصناف محلية، وتوقف بعض الشركات المحلية عن إنتاج أدوية، وتبرير ذلك إما لنقص الخامات وإما ارتفاع التكلفة مقابل السعر.
لقد كانت الشركات المحلية العامة والخاصة تغطى حتى منتصف التسعينيات ما يقرب من 70% من احتياجات السوق الدوائية، وكان الدواء المنتج مصريًا يصدر إلى دول عربية وأفريقية، وبعضها راحت ضحية للخصخصة والتصفية، وكل من تابع قضية الدواء منذ التسعينيات يعرف لعبة الشركات الكبرى.
وجزء مما يدور فى عالم الدواء صراع بين الحكومة من جهة، والشركات المصنعة والمستوردين من جهة أخرى، وأطرافها فى الخارج والداخل، وهى ليست قضية ليست محلية فقط، وترتبط بتحالفات عابرة للجنسيات، تنفق مليارات على الأبحاث والأدوية والتصنيع، والتسويق والترويج والمؤتمرات والدعاية، وبالتالى فإن مستوردى أو منتجى الدواء المحلى هم أطراف فى هذه المعادلات، ترتبط مصالحهم بمصالح هذه الشركات، وبعضهم ممثل لمصالح الشركات العالمية أو مصالحه الخاصة، حتى لو كانت تضر بمصالح المريض، وهو الحلقة الأضعف فى هذه المعادلة.
وما جرى من تلاعب فى البنسلين وارد أن يكون تم مع أصناف أخرى، أو فى شركات أخرى تم دفعها لوقف إنتاج أدوية وأصناف أرخص لصالح بدائل أغلى، ولا مانع من مراجعة تفاصيل ما يجرى فى الدواء، للبحث عن وقائع مشابهة، خاصة أن المتهم فى قضية البنسلين يصعب أن يكون فردًا، وهو جزء من مصالح بالداخل والخارج، وأيضًا شركاء فى هذه العملية التى أدت لأزمة البنسلين.. الأمر بحاجة إلى تعامل حاسم، وتفعيل لأجهزة الرقابة والتوقع داخل وزارة الصحة، ودراسة الأسباب التى تؤدى لنقص الأدوية، خاصة الأصناف المنتجة محليًا.
الدواء أخطر من أن يترك للأهواء، وتحكم أفراد هنا أو هناك.