كتب الصحفي سامح جويدة مقال بعنوان ( طلاء الواجهات.. بين أهمية القرار وتخوف السكان ) جاء كالتالي :
يوم الخميس الماضى، صرح السيد رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، بأن هناك تكليفا من رئيس الجمهورية «بطلاء موحد لجميع واجهات المبانى بدلا من الطوب الأحمر بحيث يتم الانتهاء من طلاء الواجهات الأربع لهذه المبانى فى مهلة محددة أو سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها على أن تكون ألوان هذه الواجهات موحدة، بدلًا من هذا المشهد غير الحضارى». ووجه المحافظون بالبدء فى تنفيذ هذا التكليف على مراحل «بمناطق محددة».. واستقبل الناس هذا الخبر وتلك التوجيهات بترحيب شديد لأن أغلبهم يدرك أهمية تطوير الشكل الجمالى والحضارى فى الشارع المصرى وشعروا أن هذه خطوة مهمة فى تحقيق ذلك.
لكن سرعان ما ساورهم القلق بعد أن بدأت تحركات المسؤولين فى تنفيذ هذه التوجيهات أو التجويد فيها، فقد صرح السيد محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى المصرى، بأن «طلاء العقارات السكنية بلون موحد سيبدأ فى العاصمة المصرية القاهرة بالأماكن السياحية حتى تكون واجهة حضارية مشرفة»، وتابع أن «جهاز التنسيق الحضارى بدأ خلال الأشهر الماضية، طلاء واجهات البنايات المتواجدة وسط القاهرة بلون واحد»، وبيّن أبو سعدة «أن الأجهزة والأحياء تقوم حاليًا بعمل حصر المبانى التى ستدخل ضمن برنامج طلاء الواجهات. ثم خرجت علينا وزارة التنمية المحلية بتصريح جديد بأن طلاء المنازل لن يقتصر على القاهرة بل سينفذ فى مختلف المحافظات ولم تحدد قيمته بعد لعدم وجود حصر بالمبانى ولا تكلفة الطلاء ولا نوعية الخامات المطلوبة»!!
أوضحت الوزارة فى نهاية تصريحاتها «أن الحكومة المصرية لن تتحمل قيمة طلاء المنازل بل سيتكفل أصحابها بقيمة الطلاء لأنها منازل خاصة وليست ملكًا للدولة وسيتم ذلك بالتنسيق مع اتحاد الملاك»، وفجأة بدأ التنفيذ رغم أن التكلفة ومصادر تمويل هذا المشروع الحضارى الضخم لم تحدد بعد!! فخرجت علينا محافظة القاهرة بخبر جديد بأنها تنفيذًا لتوجيهات رئيس الدولة بدأت بدهان العقارات القريبة بمطار القاهرة الدولى. باعتبارها الواجهة التى يشاهدها السائحون قبل نزولهم لأرض المطار، واستقرت المحافظة على دهان العقارات باللون البيج ويتم دهان العقارات بتمويل من أصحابها بالتنسيق مع المحافظة وجهاز التنسيق الحضارى لتكون بلون واحد وشكل واحد وتم البدء بحى النزهة!!.. وبطبيعة الحال أثارت هذه الأخبار المتعاقبة قلق الناس وتخوفهم، فالتوجيهات بدأت بمبانى الطوب الأحمر فى مناطق محددة كما نص تصريح السيد رئيس الوزراء ولكن المحافظة تدهن واجهات حى النزهة ومصر الجديدة!!.. ووزارة التنمية المحلية مازالت تدرس التكاليف ولكنها تعلن على أن الدولة لن تتحمل أى نفقات بل سيتكفل أصحابها بقيمة الطلاء ولم توضح ما المعنى القانونى لأصحابها هل هم أصحاب الشقق أم صاحب العمارة؟.. وجهاز التنسيق الحضارى يعلن أنه بدأ تنفيذ التوجيهات فى الأماكن السياحية ويعد خطة لطلائها ويدهن الآن واجهات أبنية وسط القاهرة بلون موحد.. هذا التضارب والتصريحات المتعجلة التى أشرت للقليل منها خلقت أجواءً خصبة للشائعات والتقول والتهويل.. والناس تاهت بين التوجيهات الرسمية والتنفيذ الذى جاء معظمه خارج السياق المطلوب.. الناس ترحب فعلًا بهذه الخطوة الحضارية ولكن فى الحدود التى جاء بها التصريح الرسمى لرئيس الوزراء.. بعضهم قد يوافق على أن يشارك ولكن الأغلبية تراها تكاليف لا طاقة لهم بها وأن دور الدولة هو إجبار المقاولين أو أصحاب تلك المبانى والعمائر على إصلاحها وعمل المحارة اللازمة وطلائها بدلًا من الطوب الأحمر لأنهم هم الذين تكسبوا من هذا النشاط وهم سبب التشوه الحضارى. كما أن المحليات أعطتهم التصاريح والموافقات على هذه الأوضاع فما ذنب الساكن أن يدفع الثمن الآن؟؟ ثم أين اتحادات الملاك التى سوف ينسقون معها وكلنا نعرف أنها بلا قانون ملزم أو فاعلية تذكر!. وهل سيتم إجبار سكان العمارات المطلية أيضًا على إعادة الطلاء ودفع تكاليفه أم أنه أمر اختيارى؟.. وما ذنب المواطن إذا كانت موارده لا تكفى سد تكاليف هذا التجميل الحضارى!!.. ثم لماذا لون موحد واحد لكل محافظة وليس لكل منطقة أو مجموعة عمائر كما جاء بتصريح السيد رئيس الوزراء.. فهل منطقى أن تصبح القاهرة كلها بيج والإسكندرية كلها بيضاء والإسماعلية صفراء وأسيوط خضراء !!..
هذا يا سادة يصيب الناس بالاكتئاب والأفضل أن يتم اختيار عدة ألوان تبعا للمناطق كما جاء بالتوجيهات الرسمية لأن الناس لن تصل لعنوان بهذا اللون الموحد لكل محافظة!!.. ثم لماذا نترك المواطنين لهذا القلق والتشتت؟؟ بلا أجوبة شافية أو تصريحات مباشرة تحدد المسؤولية وآليات التنفيذ ومصادر التكاليف ولماذا تخرج تصريحات المسؤولين الإعلامية بلا صياغة متأنية ومعلومات دقيقة.. القرار الرسمى رائع ومهم ويعد خطوة فعالة فى القضاء على جزء من القبح الذى اعتدناه فى الشارع المصرى ولكن التنفيذ كان ينقصه الحكمة والهدوء والدراسة والفهم والتخطيط. وأرجو أن يكون للدولة وقفة لمراجعة كل ذلك وتبشير الناس بهذه الخطوة الحضارية المهمة بدلا من إثارة تخوفهم.