اعتدت أن أشارك فى الجزء السياسى من موسم «أصيلة» الذى تتنوع اهتماماته من السياسة إلى الثقافة والشأن الاجتماعى والشعر والموسيقى. لم أتمكن هذا العام من المشاركة فى حوار حول «عبء الديمقراطية»، وهو العنوان الذى دار حوله المحور السياسى هذا العام. وكنت محظوظًا أن أكون متابعًا لمحور مهم هذا العام طُرح فى ندوة بحثية بعنوان «التماسك الاجتماعى والتنوع فى نظم التعليم العربية»، واستمرت على مدى يومين.
وتناولت الندوة، التى شارك فيها نخبة من المفكرين والباحثين العرب، خمسة محاور أساسية، هى «المنظومة التعليمية ورهانات التحول الاجتماعى فى العالم العربى»، و«النظم التعليمية وإشكالات الهوية الثقافية فى المجتمعات العربية»، و«النظم التعليمية ورهانات التعددية والتنوع فى العالم العربى»، و«النظم التعليمية والثورة المعلوماتية الراهنة»، و«المنظومة التعليمية ورهانات المستقبل العربى».
ومن المخرجات الأساسية، التى طرحها المشاركون فى ندوة «التماسك الاجتماعى والتنوع فى نظم التعليم العربية»، إشراك المجتمعات العربية فى عملية إصلاح التعليم، وتمكين المواطنين من فرص التكافؤ الاجتماعى، ومدهم بمفاتيح التنمية والنهضة، والعمل على تدارك تداعيات انهيار المشروع العربى المشترك، وانهيار المؤسسات داخل العديد من الدول العربية، وانحسار المنظومة القيمية وتآكل الهوية وتصاعد الهويات الفرعية.
ولكن ما لفت انتباهى بشدة مداخلة الدكتور محمود حمزة، المدير التنفيذى لمشروع «التعليم أولًا»، الذى عرض التجربة المصرية فى تعميق مفهوم الهوية من خلال البرامج التعليمية، حيث تبنى الرجل فكرة تعريب المناهج العلمية، باعتبارها مدخلًا رئيسيًا لترسيخ مفهوم الهوية.
والواقع أن تصاعد هذه الفكرة من أصوات تعيش فى وهم أن الهوية مرتبطة بتعريب العلوم أمر خطير للغاية، ليس لأن هناك جدلًا قائمًا ومستمرًا منذ أوائل القرن الماضى حول تعليم العلوم بالعربية، ولم يُحسم بعد أن أضعنا فيه وقتًا كبيرًا، إنما أيضًا لمخالفة هذا المفهوم مفاهيم التطور التى ننشدها فى المناهج العلمية التى ندرسها لأبنائنا، وكذلك مع حتمية التواصل مع العالم.
هذه الفكرة تساهم بشكل كبير فى فقد لغة التواصل مع العالم الخارجى، بما يؤثر سلبًا على الكفاءات المهنية الموجودة فى مصر، لأننا دولة مستوردة للتكنولوجيا ومعظم الأبحاث والدوريات العلمية تصدر بلغات أجنبية، كما يؤدى هذا الحظر لتخريج أجيال غير قادرة على المنافسة فى سوق العمل الخارجى، بل ويعوق فرص مصر فى التقدم العلمى وربما لا تملك الدولة القدرة على تنفيذ مثل هذا التعريب.
لا أدرى لماذا يصيب هوس الهوية البعض؟ ولا أدرى لماذا يعتقدون أنه بتعريب العلوم نرسخ لمفهوم الهوية؟ لابد من مراجعة هذه الأفكار حتى لا نقع فى شرك أكبر.