أقلام حرة

الصحفي عبد اللطيف المناوي يكتب مقال بعنوان ( تطور السطحية )

حضرت مؤخرًا فى إطار أحد المنتديات العربية مناقشة لورقة عمل قدمها واحد ممن يُشار إليهم بالبنان فى مهنته فى بلده، إذ يعتبره الكثيرون أحد أعلام مهنته، وعنصرًا نابغًا فيها، وهو قد يكون كذلك، ولكن ما طرحه كان عجيبًا.

الحقيقة أن عنوان ورقة العمل جذبنى، وجعلنى أكون حريصًا على الحضور. الورقة كانت عن «التحول الرقمى»، وهو أحد أكثر الموضوعات أهمية فى أيامنا هذه، حيث أولت دول كبيرة اهتمامًا خاصًا به، بوصفه أحد المشروعات الكبرى، والتى يستحيل تقدم بلد ما إلى المستقبل من دونه.

بدأ الرجل بالحديث عن أشياء غريبة، كإنقاذ رجل مسلم طفلًا أمريكيًا من كلب فى إحدى الحدائق، ونشر صحفى الخبر فى «نيويورك تايمز»، نعم، تحت عنوان إرهابى مسلم ينقذ طفلًا أمريكيًّا. اعتقدت أن ما يقوله ربما يكون مدخلًا لكلام أكثر عمقًا حول مصادر مثل تلك الحكايات غير المنطقية والمنتشرة فى مجموعات تطبيق الواتس آب والسوشيال ميديا، ولكنه فاجأنى بأنه يتعامل مع هذه القصة باعتبارها حقيقية وموثقة. لم أستطع البقاء فى المناقشة أكثر من دقائق، وذهبت وفى رأسى أسئلة كثيرة حول سطحية أخينا الذى هو تطور لإنتاج السطحية فى عصر «التحول الرقمى».

الكثيرون يعتقدون أن انفجارات الـ«فيسبوك» وبراكين الجروبات المغلقة والمفتوحة على السوشيال ميديا، وفضائح الإنستجرام و«بلاوى» تويتر- هى «التحول الرقمى»، بهذه السطحية الشديدة يتحدثون عن أن هذا المشروع الإنسانى العملاق هو مجرد سطور مكتوبة على فضاء إلكترونى.

بهذه السطحية الشديدة يبنى بعض الكتاب والساسة ومواطنون فى أقاصى الأرض ومغاربها، مواقفهم على بضع كلمات يخطها أشخاص عاديون أو غير عاديين كرئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد ظهرت فئة- ضالة- شكلت السوشيال ميديا كل ثقافتها. لا تحتاج إلى كتب أو صحف أو أفلام سينمائية، لا تحتاج حتى إلى الذهاب إلى الطبيب إذا مرضت أو إذا مرض أبناؤهم وآباؤهم، صاروا يعتمدون على معلومات السوشيال ميديا فى كل ذلك.

قديمًا عندما كنا نلتقى أحد المتشبثين برأيهم دون أن يمتلكوا المنطق والمعرفة نقول «اللهم قِنا شر قارئ الكتاب الواحد». بعدها ساد بيننا وصف لمدعى الثقافة ممن نلتقى حولنا بأن ثقافته توقفت عند الصفحة الأخيرة لجريدة الأهرام عندما كانت تنشر يوميًّا «حكمة اليوم» وكانت المصدر الوحيد لثقافة البعض. اليوم تحول الأمر وأصبحت السوشيال ميديا و«جروبات» الواتس آب مصدرًا لكثيرين، وللأسف يعتمد عليها البعض ممكن يكتبون للرأى العام. ولا أنسى ذلك الموقف عندما بنى كاتب موقفه من رئيس دولة على كلام غير صحيح انتشر عبر هذه المجموعات.

نعم، السوشيال ميديا مهمة، وتشكل جزءًا كبيرًا من إعلامنا وحياتنا الجديدة، لكنها ليست كل شىء، هى ليست الثقافة، وليست الحياة، وليست خبرة الدنيا. هنا لا بد من وقفة حقيقية أمام هذه السطحية الشديدة التى يتعامل بها البعض مع هذا الأمر. هنا لا بد من نظرة مغايرة للأمور.

زر الذهاب إلى الأعلى