غزت المواد البلاستيكية العالم بأكمله، فلم يقتصر استخدامها على الصناعة فقط بل في مواد الغذاء وغيرها من المجالات المختلفة، وأدت زيادة استخدامها إلى تراكم مخلفاتها بكميات هائلة.
ولم يتم التدوير منها إلا كميات قليلة جدا، وأثار مؤخرا اكتشاف جديد دهشة العلماء والباحثين حول العالم، حيث عثر باحثان على كميات هائلة من جزيئات البلاستيك خلال تحليلهما لمياه أمطار ومياه جوفية.
وتحت عنوان “إنها تمطر بلاستيك”، تحدثت الدراسة الحديثة التي أجراها باحثان، عن كمية النفايات البلاستيكية التي تتخلل الهواء والماء والتربة وفي كل مكان تقريبا على الأرض، وفقا لصحيفة “جارديان” البريطانية.
وحلل الباحثان مياه الأمطار في كولورادو، حيث عثرا فيها على جزيئات بلاستيك بكميات ضخمة، مما يعني أن المياه التي يشربها الإنسان أيضا تحتوي على جزيئات بلاستيك.
وكان العثور على بلاستيك في عينات الأمطار التي جمعها الباحثان جريجوري، وويذرباي، أمرا لم يخطر على بالهما، وقال باحث المسح الجيولوجي الأمريكي: “أعتقد أنني كنت سأعثر على جزيئات من التربة أو المعادن ولكن بدلا من ذلك عثرت على ألياف بلاستيكية مجهرية متعددة الألوان”.
تتفق نتائج هذه الدراسة مع دراسة حديثة أخرى تم إجراؤها في فرنسا، حيث عثر العلماء على مواد بلاستيكية دقيقة في جبالالبرانس بفرنسا، مما يشير إلى أن الجزيئات البلاستيكية يمكن أن تنتقل بالرياح لمئات الكيلومترات، بل الآلاف، وبعد استكمال الدراسة في بلاد أخرى اتضح أن جزيئات البلاستيك تصل إلى أعماق المحيطات، والبحيرات، والأنهار في المملكة المتحدة، وتوجد بالمياه الجوفية في الولايات المتحدة.
وقال شيري ماسون، الباحث في مجال البلاستيك الدقيق، إن أحد أهم الأسباب في وصول جزيئات البلاستيك إلى المياه أنه مادة صلبة ولا يتم إعادة تدوير أكثر من 90% منها، ولكنها تتحلل ببطء شديد وتصل إلى أجزاء صغيرة جدا كناتج ثانوي عن عملية التحلل.
وأضاف شيري ماسون أنه من المستحيل تتبع القطع الصغيرة إلى مصادرها، لكن أي شيء تقريبًا مصنوع من البلاستيك يمكن أن تنتشر جزيئاته في الجو ويتحرك مع الرياح، ثم يتم دمج هذه الجسيمات في قطرات الماء عندما تمطر، وتصل إلى الأنهار والبحيرات والخلجان والمحيطات وتصفيتها في مصادر المياه الجوفية.
وعلى الرغم من دراسة العلماء للتلوث البلاستيكي في المحيط منذ أكثر من عشرة أعوام، إلا أنهم لم يستطيعوا حساب سوى 1٪ منه فقط، وقال الباحث ستيفان كراوس، من جامعة برمنجهام، إن الباحثين يعرفون أقل من ذلك بكثير، فالبلاستيك غزا المياه العذبة والهواء، مؤكدا أنه حتى الآن لم يتم تحديد حجم الأزمة الحقيقي.
واستكمل ستيفان كراوس حديثه عن الأزمة، مؤكدا ضرورة البحث عن حل لجمع البلاستيك من العالم والوقت الذي سيستغرقه الأمر، وقال: “حتى لو جمعناها بعصا سحرية فالأمر صعبا”، موضحا أن الحل يكمن في التوقف عن استخدام المواد البلاستيكية وبدائلها والتي تراكمت منذ عشرات السنين في الجبال والبحار والأنهار وغزت كل الأماكن الطبيعية.
أما أضرار العثور على مواد بلاستيكية في المياه فهي عديدة، حيث تستهلك الحيوانات والبشر المواد البلاستيكية الدقيقة عن طريق الماء والغذاء من خلال المياه، ومن المحتمل أيضا أن تتنفس الكائنات الحية هواء محملا بالجسيمات الدقيقة للبلاستيك.
ولم يتوصل العلماء للأضرار والآثار الصحية الناتجة عن استنشاق هواء محملا بمواد بلاستيكية ولكن يمكن للبلاستيك الصغير ترسيب المعادن الثقيلة مثل الزئبق والمواد الكيميائية الخطرة الأخرى، وكذلك البكتريا السامة، ويمكن أن يحتوي البلاستيك أيضا على مثبطات سامة.
ويعمل الباحثون حاليا على دراسة جديدة وهي كيف سيعيش البشر بدون بلاستيك، وما تأثير غيابه على الصحة العامة، فيقول ماسون: “نحن نستخدم البلاستيك منذ ولادتنا، ومن الصعب تحديد المدة التي سيعيشها البشر بدون استخدامه أو التعرض لجزيئاته”.