بعد أقل من 4 سنوات من ظهورها أصبحت حركة”يمكننا أن” الإسبانية “بوديموس” من أبرز المنافسين للحزبين الكبيرين التقليديين في البلاد، الاشتراكي العمالي، والحزب الشعبي اليميني المحافظ، بعد أن فاز بالمرتبة الثالثة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في إسبانيا، ويفرض نفسه رقماً صعباً في المعادلة السياسية بفضل الأموال الإيرانية التي تدفقت عليه، وعلى زعيم هذا التيار بابلو ايغليسياس، الذي انتقل فجأة من مدرس جامعي مغمور للعلوم السياسية إلى نجم سياسي أول في بلاده.
وفي تقرير مُفصل عن علاقة إيغليسياس الخفية بإيران، كشفت صحيفة الموندو الإسبانية، عن همزة الوصل بين الجامعي اليساري والنظام اليميني المتطرف في طهرانن عن طريق رجل الأعمال الإيراني محمود علي زاده، المستثمر المجهول الذي لايعرفه أحد، باستثناء قلة من العاملين معه.
وقالت الموندو، إن زاده الذي ينتمي إلى عائلة شديدة الثراء والمحافظة في إيران، برز نجمه في بلاده في مجال الأعمال حتى قبل أن يُنهي دراسته الجامعية فيها، التي قطعها في جميع الأحوال ليتحول إلى إسبانيا لدراسة اللغة الإسبانية، ويتخرج في جامعة مدريد المستقلة.
ولكن رحلة زاده إلى إسبانيا تزامنت مع ذروة التوتر بين إيران والغرب، بسبب الخط المتشدد في طهران الذي كان يُمثله وقتها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ما دفع بأصحاب القرار السياسي في طهران والمخابرات إلى اتخاذ قرار بوضع استراتيجية اختراق والتفاف، عن طريق سلاح الإعلام، لكسب مواقع مؤثرة في الساحة الغربية والدولية، والتأثير على الرأي العام في الخارج.
فيفا إسبانيا
وفي 2010، ظهرت قناة تلفزيونية في إسبانيا تبث نحو الدول الناطقة بالإسبانية “هيسبا تي في” التي اشتهرت يوم إطلاقها بظهور الرئيس الإيراني السابق أحمد نجاد، وكلمته التي اختتمها بالقول:”فيفا إسبانيا، فيفا أمريكا لاتينا”.
وتُضيف الصيحفة”كانت هيسبا تي في، أول محاور منصة إعلامية متكاملة سعت إيران إلى إطلاقها لاحتواء ومقارعة الخطاب الغربي المناهض، وتأمين مجالها الخاص بالدعاية والترويج، وبحكم معرفته بالبلاد، وعلاقته بوالده، قرر محمود أحمدي نجاد، تكليف الشاب الإيراني شخصياً بالإشراف على هذه المنصة في إسبانيا، بمباركة المرشد الأعلى نفسه علي خامنئي”.
بين الأندلس إلى فارس
ويُضيف التقرير”بادرت القناة الجديدة بإدارة محمود علي زاده، بوضع خطة عمل جديدة، تقوم على الترويج لمبدأ التقارب بين الثقافتين الإسبانية والإيرانية، فبدأت بتأسيس شركة فرعية تحت مسمى 360 غلوبال ميديا اس ال، لتمويل الإنتاج، ثم ديوان للترجمة، المتخصصة في دبلجة الأفلام والبرامج الإيرانية من الفارسية إلى الإسبانية” وفي الأثناء اختفى صاحب الشركة، عن الأنظار وعاد مدرساً جامعياً في جامعة آزاد، التي يعتبرها كثيرون وكراً رئيسياً للمخابرات الخارجية الإيرانية، وفي حال محمود علي زاده، لا يذكر سجل الجامعة أنه باشر فعلاً التدريس فيها في يوم من الأيام، رغم حضوره على قائمة الإطار التعليمي فيها”.
عبر طهران
وبعد أشهر قليلة رجع رجل الأعمال الإيراني إلى إسبانيا، في 2011 تقريباً، لتنطلق قناة هيسبا تي في رسمياً في العمل بشكل مكثف، فوظفت أكثر من 10 موظفين بشكل مباشر، وآخرين بشكل غير مباشر، واستوردت أحدث المعدات التلفزيونية للإنتاج والبث وخدمات التلفزيون المخلتفة، ثم اقتحمت تجربة الإنتاج الخاص، لكن مع وجود شرط صغير”.
وتُضيف الصحيفة:”لم يكن بإمكان القناة بث أي برنامج أو فيلم تنتجه، قبل الحصول على موافقة طهران الصريحة، وظهرت برامج مثل”الأندلس” و”التراث الإسلامي في الأندلس” وغيرها من البرامج الكثيرة المماثلة” وتنقل الصحيفة عن عامل سابق في المحطة الغريبة” لم يكن ممكناً بث أي شيء قبل موافقة طهران، تماماً مثل المؤسسات الأخرى، لم يكن مقبولاً الخروج عن الخط الأيديولوجي العام للقناة، ومقابل 1500 يورو شهرياً مقابل عمل بسيط مثل كان يمكن التضحية بأشياء كثيرة على هذا المستوى، إلى جانب الالتزام بمجموعة من الشروط الأخرى مثل الالتزام بملابس معينة للنساء وغير ذلك”.
هوغو شافيز وأحمدي نجاد
وفي الوقت الذي ظهرت فيه هذه القناة التابعة عملياً لهيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية في إيران، تعرف محمود علي زاده، على النجم السياسي الصاعد في إسبانيا بابلو ايغليسياس، في أواخر 2012، وهو الذي كان يقدم برنامجاً تلفزيونياً في قناة محلية في حي فاييكاس في مدريد.
وبسبب شخصيته المعادية للإمبريالية الغربية، والرأسمالية المتوحشة، وخاصة وفاءه للرئيس الفنزويلي الراحل هزغو شافيز الذي كان يعد مثلاً أعلى لدى مؤسسي حركة بوديموس، وبسبب العلاقات الوثيقة وقتها بين شافيز من جهة وأحمدي نجاد من جهة أخرى، لم يجد رجل الأعمال الإيراني في إقناع إيغليسياس بالتعاون مقابل ضمان تمويلات محترمة للحركة وللعاملين فيها.
وفي 2012، انتقل زعيم بوديموس من القناة المحلية المجهولة إلى القناة الإيرانية الناطقة بالإسبانية، لتقديم برنامجه فورت اباتشي المعادي لأمريكا والإمبريالية، والمندد بالانحرافات اليمينية الرأسمالية.
2.4 مليون يورو
وفي المقابل تدفق على البرنامج وعلى مقدمه، ومع بداية ا نتشار حركته السياسي، 2.4 مليون يورو، قبل دخوله البرلمان قبل أسابيع قليلة مضت.
وتُشير الصحيفة إلى أن إيغليسياس تقاضي بين 2013 و2015 أكثر من 93 ألف يورو.
في الأثناء وبعد تفجر فضيحة العلاقات المشبوهة بين إيران وحركة بوديموس، وفي الوقت الذي نددت فيه الحركة بالهجمة ضدها، معتبرةً أنها تدخل في إطار محاولة تصفيتها سياسياً بعد نجاحها الانتخابي، وفي الوقت الذي يؤكد فيه إيغليسياس وفريقه الذي عمل في القناة الإيرانية، أنه “لم يكن لإيران علاقة لا من قريب أو بعيد في سياسة برنامج فورت أباتش أو خياراته، اختفى رجل الأعمال الإيراني عن الأنظار، فترة طويلة، بدعوى ارتباطاته المهنية في إيران”.
رجل سري
وبعد عودته إلى إسبانيا في الأيام القليلة الماضية، أصبحت الحماية الشخصية، أكثر شراسة وأصبح الرجل أكثر انغلاقاً ومن المستحيل الوصول إليه رغم كل المحاولات المبذولة، علماً أنه يرفض التصوير والظهور في أي وثيقة سمعية أو بصرية مصورة أو مكتوبة.
وتقول الصحيفة “لم نجد لتقديم الموضوع أفضل من الاعتماد على صورة قديمة للرجل الذي يبلغ اليوم 45 سنة من العمر، من ملفه الشخصي عند تقديم طلب الدخول إلى البلاد، بسبب سرية وغموض هذا الإيراني المثير للانتباه”.