حول قرار المحكمة الدستورية البولندية اعتبار بعض مواد معاهدات الاتحاد الأوروبي تتعارض مع الدستور البولندي ، الأمر الذي أغضب المفوضية الأوروبية وتوعدت بالرد .. وأبرز ردود الفعل على القرار
البداية :
1 – قضت رئيسة المحكمة الدستورية البولندية – أعلى سلطة قضائية في البلاد – ” جوليا برزيلبسكا ” يوم (7) أكتوبر بأن بعض مواد معاهدات الاتحاد الأوروبي تتعارض مع الدستور البولندي ، وأن المؤسسات الأوروبية تتصرف خارج مجال اختصاصها ، يأتي ذلك بعد أن طلب رئيس الوزراء ” ماتيوش مورافيتسكي “ من المحكمة الدستورية أن تفْصل فيما إذا كان لقانون الاتحاد الأوروبي أولوية على الدستور البولندي .
2 – هذا القرار هو أحدث تطور في مواجهة طويلة بين ( بولندا / الاتحاد الأوروبي ) بشأن الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل التي أدخلها ( حزب القانون والعدالة ) القومي المحافظ الحاكم في بولندا منذ توليه السلطة في 2015 ، والتي تتمثل في وجود نظام تأديبي جديد للقضاة ، وكذلك تعيين القضاة ونقلهم دون موافقتهم بين المحاكم المختلفة أو الأقسام في نفس المحكمة .. وقد عارض الاتحاد الأوروبي ذلك وأكد أن ذلك يهدد استقلال القضاء في بولندا بشكل خطير .
3 – كان المفوض الاقتصادي للاتحاد ” باولو جينتيلوني “ قد حذر الشهر الماضي من أن القضية التي أمام المحكمة البولندية قد تكون لها عواقب على صرف تمويلات خطة الإنعاش الاقتصادي لبولندا للتعافي من تبعات أزمة كورونا ، حيث لم يُقر الاتحاد حتى الآن ( 23 مليار يورو على شكل منح / 34 مليار يورو على شكل قروض بفوائد بسيطة ) مخصصة لبولندا .. فيما وصفت الحكومة تلك التصريحات بأنها ( ابتزاز ) .
ردود الفعل الداخلية :
1 – رحب رئيس الوزراء “ ماتيوش مورافيتسكي “ بالحكم ، وأكد أن بعض معاهدات الاتحاد تتعارض مع دستور البلاد ، كما أوضح أن بلاده تريد البقاء في الاتحاد ، وأن مكان بولندا سيظل في أسرة الدول الأوروبية ، وأن الانتماء للاتحاد كان إحدى نقاط القوة في العقود الماضية لبولندا والاتحاد ، وأضاف ( نريد مجتمعاً يسوده الاحترام ، وليس تجمعاً لأشخاص متساوين ، هذا هو مجتمعنا واتحادنا ، وهذا هو نوع الاتحاد الذي نريده ، وهذا هو نوع الاتحاد الذي سننشئه ) .. فيما أكد أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج أن قرار المحكمة أصبح موضوعاً لسوء تفاهم أساسي ، وأضاف ( لو أنني سمعتُ بأن المحكمة الدستورية في دولة أخرى عضو بالاتحاد الأوروبي ألغت أو أعلنت بطلان معاهدات الاتحاد لاندهشت ، لكنني كنت سأحاول التحقق ) .
2 – رحب المتحدث باسم الحكومة ” بيوتر مولر ” بالحكم ، معتبراً أنه أكد ( غلبة ) القانون الدستوري على مصادر القانون الأخرى ، لكنه أوضح أن القرار لا يؤثر على المجالات التي يتمتع فيها الاتحاد بصلاحيات مفوضة في المعاهدات مثل (قواعد المنافسة / التجارة / حماية المستهلك ).
3 – أكدت الخارجية أن بولندا ستواصل احترام قانون الاتحاد ، موضحة أن جميع الالتزامات المنبثقة عن قانوني الاتحاد الأوروبي ( الأساسي / الثانوي ) ستظل سارية ، وستواصل بولندا احترامها بالكامل ، مشيرة إلى أن أحكام معاهدة الاتحاد المُشار إليها في الحكم ستظل سارية ، وأن ما لا يمكن قبوله هو فقط أشكال تفسيرها أو تطبيقها التي تنتهك الدستور .
الموقف الشعبي البولندي :
تظاهر عشرات الآلاف من البولنديين يوم (10) أكتوبر تأييداً لعضوية بلادهم في الاتحاد واعتراضاً على قرار المحكمة ، بدعوة من الرئيس السابق للمجلس الأوروبي الزعيم الحالي لحزب ( المنصة الديمقراطية ) – أبرز أحزاب المعارضة البولندية – “ دونالد توسك “ ، حيث حذّر “ توسك “ عبر حسابه على تويتر من احتمال أن يؤدي القرار القضائي الأخير إلى خروج بولندا من الاتحاد ، داعياً إلى الدفاع عن بولندا أوروبية ، وأضاف ( علينا أن نُنقذ بولندا ، لن يقوم أحد بذلك بدلاً منا ) .
ردود الفعل الأوروبية :
1 – دعت المستشارة الألمانية ” ميركل “ خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البلجيكي “ ألكسندر دي كرو ” في بروكسل إلى الحوار مع بولندا بدلاً من التشدد معها ، معربة عن أسفها لموقف أعضاء البرلمان الأوروبي الذين يضغطون في هذا الموضوع ، وأضافت ( لدينا مشاكل كبيرة ، لكنني أنصح بحلها من خلال الحوار وإيجاد حلول وسط .. لا أوافق على أن الاعتقاد بأن الاختلافات في التصورات التي قد تحدث داخل الاتحاد لا يمكن حلها إلا من خلال الإجراءات القضائية ) .. من جانبه أكد رئيس الوزراء البلجيكي أن الانتقاد وتوجيه أصابع الاتهام من الخارج لن يقود إلى أي نتيجة ، ودعا إلى التفاعل مع رئيس الوزراء البولندي والآخرين لفهم نواياهم فيما يتعلق بعمل النظام القضائي .
2 – دعا وزير الخارجية الألماني ” هايكو ماس ” بولندا إلى الاحترام الكامل للقواعد المشتركة للاتحاد الأوروبي ، وأضاف ( عندما تقرر دولة ما سياسياً أن تكون جزءاً من الاتحاد الأوروبي يجب عليها أيضاً أن تحرص على أن تكون القوانين المتّفق عليها مطبّقة بشكل كامل ) .
3 – اعتبر وزير خارجية لوكسمبورج ” جان أسِلبورن ” أن الحكومة البولندية ( تلعب بالنار ) – حسب تعبيره – ، ويمكن أن تتسبب بـ ( قطيعة ) مع الاتحاد الأوروبي ، وأضاف ( سيادة القانون الأوروبي أساسية لتكامل أوروبا والتعايش في أوروبا ، وإذا تم انتهاك هذا المبدأ فإن أوروبا كما نعرفها وكما تأسست بمعاهدات روما ستنتهي والمفوضية الأوروبية حذرت بوضوح إذا لم تلتزم بولندا بقواعد الاتحاد الأوروبي فلن يتم تقديم الدعم المالي لها كجزء من خطة التعافي الاقتصادي .. لا أحد يجبركم على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يمكنكم مغادرة الاتحاد، وهذا بالضبط ما فعلته بريطانيا ) .
4 – أكد وزيرا خارجية ( فرنسا / ألمانيا ) في بيان مشترك أن بولندا يقع عليها التزام قانوني وأخلاقي بقواعد الاتحاد الأوروبي بشكل كامل وغير مشروط باعتبارها عضواً في الاتحاد .
5 – وصف وزير الدولة الفرنسي للشئون الأوروبية “ كليمنت بون “ قرار بولندا بـ ( الخطير للغاية ) وأنه بمثابة هجوم على الاتحاد ، وأضاف ( عندما تقول إن القواعد الخاصة بك أكثر أهمية من شروط العقد فهذا يعني أنه لا يوجد عقد ولا توجد مشاركة ، وهذا ليس بأي حال من الأحوال من الأمور الفنية ، بل هو أمر قانوني وسياسي ، وهذا جزء لا يتجزأ من تاريخ طويل من الاستفزازات ضد الاتحاد الأوروبي ) ، مشدداً على أن بولندا تُخاطر بفقدان المساعدة المالية من الاتحاد الخاصة بالتعافي الاقتصادي بعد أزمة كورونا ، كما تخاطر بعضويتها في الاتحاد ، إذا رفضت الامتثال لقواعد الاتحاد .. وعلى الجانب الآخر أعلنت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا ” مارين لوبان ” دعمها لبولندا ، وأكدت أنها ترغب أيضاً في إدراج أولوية القانون الوطني على القانونين ( الأوروبي / الدولي ) في الدستور الفرنسي ، وفقًا لمشروع قانون الهجرة الذي قدمته مؤخراً .
6 – حذرت المفوضية الأوروبية من أنها سوف تدعم سيادة القانون الأوروبي باستخدام كل سلطاتها وأكدت رئيسة المفوضية أن المفوضية تقيّم خياراتها بشأن الرد على حكم المحكمة البولندية ، ولكن لا شك في أن الاتحاد سيتخذ إجراء ، موضحة أن هذا القانون يشكك في الركائز التي يقوم عليها الاتحاد ، وأنه تحدي مباشر لوحدة النظام القانوني الأوروبي .