كان يلقب بـ “حِبَّ رسول الله” .. وكان يكن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبًا شديدًا، حتى أنه تبناه قبل أن يحَرَّم التبني، وصار الناس ينادون بابن محمد.
كانت قبيلته قد تعرضت لإغارة فتم استرقاقه وبيعه لحكيم بن حزام الذي اشتراه وأهداه لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، والتي وهبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ابن ثمان سنين، حينها صار النبي صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله في حل حلق قريش، ويقول: “هذا ابني وارثًا وموروثًا”.
إنه الصحابي الجيل زيد بن حارثة .. الذي اختار البقاء مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يعود لوالديه، وذلك عندما رآه أحد أقاربه في مكة وحمله السلام لوالديه وقال له أخبرهم أني عند أكرم والد. حينها انطلق والده وقومه إلى مكة لفدائه، وسألا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه أنه في الحرم عند الكعبة، فانطلقوا إليه، وقال: يا بن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ومن هو؟” قالو: زيد بن حارثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” فهلا غير ذلك “!
قالو: وما هو قال: ” ادعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا “. قال: قد زدتنا على النصف وأحسنت فدعاه فقال: ” هل تعرف هؤلاء ” قال: نعم. قال: من هذا قال: هذا أبي. وهذا عمي. قال: ” فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما “. قال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني مكان الأب والعم. فقال: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك!
قال: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئ. ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبد. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: “يا من حضر. اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه”. فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرف.
وكان زيد بن حارثة ثاني المسلمين بعد أن حمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرسالة، وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يثق فيه، تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: “ما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة في جيش قط الا أمره عليهم، ولو بقي حيا بعد الرسول لاستخلفه”.
ولما بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام أبطل التبني، ونزل قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ)، فاصبح يناديه زيد بن حارثة امتثالًا لأمر الله.
ومن حب النبي لزيد ابن حارثه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زوجه من ابنة عمته “زينب”، وقبلت زينب الزواج حياءً من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لم تدم العشرة بينهم وسرعان ما دبت الخلافات فانفصلا، وزوج النبي حارثة بزوجة جديدة هي “أم كلثوم بنت عقبة”، وتزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم “زينب” بعد انقضاء عدتها.
وحينها انتشرت في المدينة تساؤلات كثيرة: كيف يتزوج النبي مطلقة ابنه زيد؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى قرآنًا يتلى إلى يوم الدين: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} ..
بل ذكر الله سبحانه وتعالى اسم زيد صراحة في القرآن الكريم، وهو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن، يقول تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّـهِ مَفْعُولًا}.. [الأحزاب: 37].
شهد زيد بن حارثة العديد من الغزوات مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فشهد غزوة بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر، حتى استشهد زيد بن حارثة في موقعة مؤتة، سنة ثمانية للهجرة، وكان عمره خمس وخمسين سنة.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر استشهاد زيد بن حارثة، مع جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، قام وذكر شأنهم فبدأ بزيد فقال: “اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد”.