سعت مصر في أعقاب قيام ثورتيّ 25 يناير و30 يونيو، إلى استعادة الدور المصري في أفريقيا كإحدى دوائر الأمن القومي المصري، خاصة في ظل العلاقات التاريخية والمصالح الحيوية بين مصر ومحيطها الأفريقي، حيث تسعى مصر لاستعادة دورها التاريخي في القارة من خلال رؤية إستراتيجية.
واستطاعت مصر أن تتحرك ناحية تعزيز دورها، وباتت التحركات المصرية تمضي بخطى ثابتة لتحقيق هدفها فاستردت عضويتها في الاتحاد الأفريقي في يونيو2014، كما حصلت على عضوية مجلس الأمن والسلم الأفريقي لمدة 3 سنوات، وترأست لجنة المناخ في الاتحاد الأفريقي لعامين، بالإضافة إلى حصولها على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي وانخراطها في العديد من القضايا والملفات التي تشكل أجندات دول القارة، لتعلن بداية عهد جديد فى العلاقات مع القارة السمراء ومساندة الأشقاء الأفارقة فى تحقيق التنمية.
مسارات سياسية
وترتكز السياسة المصرية تجاه أفريقيا على عدة مسارات متوازية ومتكاملة، فهناك مسار التنمية وزيادة التجارة بين دول القارة الأفريقية، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، والتوسع فى مشروعات ريادة الأعمال من أجل تحسين مستوى معيشة المواطن الأفريقى وتجفيف بيئة العنف والإرهاب، وتحويل القارة من منطقة طاردة للبشر إلى منطقة جاذبة تنمو بكوادرها وأبنائها ومواردها الضخمة.
وتتبنى مصر المسار السياسي في القضايا الأفريقية بالمحافل الدولية، وتدافع عنها من أجل تحقيق العدالة الاقتصادية والتنموية بين الدول الغنية والفقيرة، وتفعيل دور الشمال فى مساعدة أفريقيا فى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، إضافة إلى الدور المحورى الذى تلعبه مصر فى تسوية الأزمات والصراعات والحروب فى العديد من دول القارة والتى تقف عائقا أمام التنمية والاستقرار.
دعم مصري
عمل “الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا” على أساس صيغة تعاون جنوب ـ جنوب بهدف مساعدة الدول الأفريقية على تحقيق التنمية المستدامة عبر برامج التعاون الفني والبرامج التدريبية لبناء قدرات الكوادر الأفريقية التي يقدمها في مختلف المجالات وعلى رأسها: الزراعة والصحة والتعليم والأمن والدبلوماسية والقضاء والإعلام وكذلك المنح المالية خاصة فى مجالى الصحة والزراعة.
الشراكة تنمية أفريقيا
تمثل مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا “النيباد” رؤية أفريقية لاستراتيجية شاملة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالقارة، والتي صاغها وتبناها رؤساء الدول الخمس (مصر – الجزائر – نيجيريا – جنوب أفريقيا – السنغال)، واعتمدتها منظمة الوحدة الأفريقية بلوساكا في يوليو 2001، وقد تم إدماج النيباد في أجهزة الاتحاد الأفريقي بموجب قرار قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا في فبراير 2010 كهيئة فنية تابعة للاتحاد الأفريقي، وذلك لتسهيل وتنسيق وحشد الموارد لتنفيذ البرامج والمشروعات القارية والإقليمية ذات الأولوية، وتتضمن الأهداف الرئيسية للمبادرة في دعم الأمن والسلام في القارة، وتحقيق الحكم السياسي والاقتصادي الرشيد.
التنمية والتكامل الاقتصادى
تتمثل أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال العمل على توفير فرص عمل للشباب الأفريقي، وتطوير منظومتي التصنيع والزراعة في أفريقيا لتحقيق الأمن الغذائي، كذلك العمل على مد جسور التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب الأفريقية، وتعزيز الإصلاحات المؤسسية والمالية للاتحاد الأفريقي، فضلًا عن تعزيز التعاون بين الاتحاد الأفريقي وشركاء التنمية والسلام الدوليين والإقليميين والمحليين.
التجارة البينية
بلغ إجمالي حجم التجارة البينية بين دول القارة عام 2017 حوالى 136 مليار دولار بزيادة قدرها 10.1%، بينما بلغ حجم التجارة البينية لدول جنوب القارة نحو 28.5 مليار دولار بزيادة قدرها 1.4%، أما عن حجم تجارة مجموعة دول الجنوب مع باقي دول القارة، فقد وصل إلى 20.2 مليار دولار بزيادة قدرها 7.4%، وكذلك بلغ حجم التجارة البينية لدول غرب القارة نحو 18 مليار دولار بزيادة قدرها 13.9%، في حين سجل حجم تجارة مجموعة دول الغرب مع باقي دول القارة نحو 8.6 مليار دولار بزيادة قدرها 10.3%.
وتمثلت أبرز المشروعات التى تنفذها وزارة الرى في إنشاء 5 سدود، وحفر 75 بئرا جوفية، وميكنة 2 بئر جوفية لتوفير مياه الشرب النقية بأوغندا، وأيضًا حفر 180 بئرا جوفية في كينيا، و60 بئرا جوفية في تنزانيا، و10 آبار جوفية بإقليم دارفور، فضلًا عن تنفيذ 6 محطات مياه شرب جوفية لتوفير مياه نقية لمواطني مدينة جوبا بجنوب السودان، وتدريب 437 متدربا أفريقيا من خلال أكثر من 35 دورة في مجال الإدارة على المستوى الحقلي وتصميم وصيانة السدود وغيرها.
كما دشنت الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) صندوقًا استثماريًّا موحدًا، في اتفاق بين قادة الدول الثلاث، مطلع فبراير 2018، ويستهدف الصندوق تفعيل بنود التعاون التجاري والتنموي للبنية التحتية للدول الثلاث، وبخاصة في مجال الصحة والتربية والتعليم والخبرات الفنية والهندسية التي تمتلكها القاهرة في مجال الأمن والمياه والصحة.
وتسعى وزارة الصحة المصرية لنقل خبراتها فى علاج فيروس “سى” إلى أفريقيا، على أن يتم البدء بدول حوض النيل، وذلك بإرسال كوادر طبية إلى أماكن انتشار المرض فى هذه المناطق، وأعلنت الوزارة عن نقل خبراتها فى علاج الملاريا، وقدمت أيضًا وحدات للغسيل الكلوى بأديس أبابا فى إثيوبيا، وتم تسجيل دواء مهم فى علاج الملاريا، حيث يمكن الاستفادة منه فى علاج هذا المرض بدول القارة السمراء.
وقدمت مصر بعض المساعدات والمنح، جاءت على النحو التالي:
مشروعات الربط
مشروع “القاهرة- كيب تاون”
يعد أطول مشروع لربط دول شمال أفريقيا بدول الجنوب، من خلال إنشاء الطرق البرية العابرة لدول القارة، لتسهيل حركة الاستثمارات، ويستخدم في نقل البضائع في مدة 4 أيام فقط.
وقد بدأت مصر في تنفيذ المرحلة الأولى للجزء الخاص بالمشروع داخل الحدود المصرية والذي سينطلق من القاهرة إلى المنيا، على أن يجري العمل في المرحلة الثانية من المنيا إلى أسيوط، أما المرحلة الثالثة ستبدأ من أسيوط حتى قنا، والرابعة والأخيرة ستبدأ من قنا وحتى معبر أرقين على الحدود مع السودان، وسيمر الطريق البري العملاق عبر 9 دول أفريقية، هي “مصر، والسودان، وكينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وزامبيا، وزيمبابوي، والجابون، وحتى كيب تاون عاصمة جنوب أفريقيا”.
مشروع الربط الكهربي
هو مشروع يستهدف ربط مصر بدول القارتين الأفريقية والأوروبية، عن طريق إمداد دول القارتين بالكهرباء عن طريق الأبراج المعدنية العابرة للحدود، كما أنه من المتوقع أن يحول مصر إلى نقطة مهمة في نقل الكهرباء للقارتين بحلول عام 2035، ويدرس الجانبان المصري والسوداني التوسع في المشروع للتمكن من الوصول إلى 3 آلاف ميجاوات في المرحلة الثانية، في الوقت الذي تشارك فيه مصر بما يقارب 56 مليون دولار لبناء المشروع، بخط ربط يضم 300 برج داخل الأراضي المصرية.
مشروع الربط المائي
هو مشروع للربط المائي بين بحيرة فيكتوريا الواقعة في أفريقيا ومياه البحر الأبيض المتوسط في مصر، ويساهم المشروع في عمل نهضة إقليمية لكل دول حوض النيل، مما سيكون له تأثير إيجابي على حركة التجارة والصناعة والسياحة على طول الممر الملاحي لنهر النيل، وتقع بحيرة فكتوريا في وسط القارة الأفريقية، وتطل عليها 3 دول أفريقية هي “أوغندا، وتنزانيا، وكينيا”، بمساحة تبلغ حوالي 69.490 كم2، وبطول 410 كم، وعرض 1.5 كم.
سكك حديدية تربط دول أفريقيا
يستهدف المشروع العملاق إنشاء سكة حديد تربط دول أفريقيا ببعضها البعض، وستكون انطلاقتها من الأراضي المصرية من العاصمة الثانية الإسكندرية حتى الخرطوم.
وجاءت فكرة المشروع بتوجيهات من الرئيس السيسي خلال زيارته للعاصمة السودانية، الخرطوم، وسيبلغ طول السكة الحديد ما يقرب من 900 كم، وكان التحدي الأكبر الذي واجه المشروع هو عدم تناسب سكك حديد مصر مع سكك حديد السودان، لذا تم الاتفاق بين البلدين على تغيير خط سكك حديد السودان لاستبدالها بحديثة تتناسب مع المواصفات المصرية.