أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أن حكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي وراء عبور مصر إلى آفاق رحبة من الأمن والاستقرار والبناء والسلام، وترجمة لنتائج ناجحة للسياسات الحكيمة والتوجهات الوطنية المخلصة التي انتهجها لمواجهة التحديات الشائكة والتعامل مع مجمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية العاجلة والمُلِحّة.
وأشاد الرئيس اليمني – في حوار مع جمال الكشكي رئيس تحرير مجلة “الأهرام العربي” تنشره في عددها الصادر بعد غد السبت – بتثبيت وترسيخ عوامل الأمن والاستقرار في مصر، على الرغم من الأوضاع والاضطرابات الخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية.
وشدد الرئيس هادي على العلاقة الأخوية الحميمة التي تربطه بالرئيس السيسي لمواقفه الأخوية الصادقة تجاه اليمن، تجسيدا للحمة الواحدة والمصير المشترك.. وقال “مصر كعادتها دومًا تقف مدافعًا صلبا عن قضايا الأمة العربية، وموقفها على الدوام هو مناصرة لقضاياها، ووجود مصر ضمن دول التحالف العربي، يؤكد على هذا الموقف الثابت لمصر العروبة، لمؤازرة ونصرة اليمن حتى تحقيق كامل أهداف التحالف العربي وعودة الشرعية، واستعادة الدولة وتحقيق أمن اليمن، واستقراره المنشود، ليسهم اليمن بدوره المأمول في بنيان الكيان العربي الواحد”.
وأكد أن مصر لها اليد العليا من الدعم والإسناد لليمن وشعبه، مشيرا إلى أن “عاصفة الحزم” لم تكن هى البداية ولا المواقف العظيمة للشعب المصري والقيادة المصرية مع الشعب اليمني فحسب، بل كل هذا يأتي مستندًا إلى تاريخ عريق من العلاقات التي تربط شعب مصر الطيب بالشعب اليمني الوفي، الذي لم ولن ينسى هذه المواقف الأخوية الرائعة.
وشدد الرئيس هادي، على أن مصر حاضرة دومًا في ذاكرة ووجدان الشعب اليمني، مشيرا إلى أن الإعلام المصري كان المرآة العاكسة للواقع العربي خلال عقود خاصة في حقبة الستينيات، حيث كان “صوت العرب” هو الإعلام المقروء والمسموع، ونبض الشارع العربي.. موضحا أن مصر هى القلب العربي النابض، وهى بما تشكله من عمق حضاري وإرث تاريخي وحضور فاعل في كل قضايا الأمة، يؤهلها للعب أدوار قيادية كبيرة لمصلحة الأمة وقضاياها.
وأضاف الرئيس اليمني:”هذه الأمة اليوم لها جناحان قويان للتحليق بهما، يتمثلان في مصر والمملكة العربية السعودية”، مؤكدا أن هذين الركنين المتينين هما مركز الاعتماد الذي تركن إليه كل الأمة في حماية أمنها واستقرارها.. وتابع “أن الأمة العربية اليوم معنية بتوحيد جهودها وطاقاتها لمواجهة التحديات المتربصة بها، وللرفع من شأن الأمة في ظل المخاطر المحدقة بالمنطقة العربية، ومواجهة آفات التطرف والإرهاب التي أرهقت شعوبنا، ونالت من مقدراتها”.
وردا على سؤال حول جهود التحالف العربي من أجل عودة الشرعية في اليمن، أوضح الرئيس هادي قائلا “إنه منذ الوهلة الأولى لانطلاق (عاصفة الحزم)، كان الموقف والصوت العربي واحدا، وبإجماع ليس له نظير في دعم اليمن وشرعيته الدستورية ضد الفعل الانقلابي الغاشم، وتأييد ومباركة جهود دول التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، وهذا ما أكدته القمة العربية الـ 26 في شرم الشيخ، التي عقدت بعد يومين من انطلاق “عاصفة الحزم” ودعمها المطلق وتأييدها لها، وكذلك فإن التأييد مستمر لدعم اليمن وشرعيته الدستورية فى مختلف التجمعات والمحافل العربية والإقليمية والدولية”.
وأكد أن جهود دول التحالف شاخصة وشاهدة للعيان، ولا يمكن لأحد إنكارها، وهى على الدوام محط تقدير وامتنان واحترام كل أبناء اليمن، التواقين للحرية والعدالة والانعتاق من براثن الطائفية، ومن يمولها ويواليها، مشيرا إلى أن هذه المواقف الأخوية الصادقة تجسد روح الأخوة والأصالة والهدف الواحد والمصير المشترك، وستظل على الدوام محل فخر واعتزاز الشعب اليمني، وأجياله المتعاقبة تجاه أشقائنا.
وحول رؤيته للواقع اليمني والإنجازات التى حققتها الشرعية منذ بداية “عاصفة الحزم” في 26 مارس 2015، قال الرئيس هادي “إنه فيما يتصل بواقع اليمن الراهن، فقد شهد جملة من التغيرات والتحولات على الصعيد الميداني العسكري، وكذلك في إطار استعادة الدولة وتطبيع الحياة في المحافظات والمناطق المحررة التي تتجاوز نسبتها اليوم 85% من إجمالي مساحة البلد”.
وأضاف الرئيس اليمني “لقد أعدنا بناء مؤسسات الدولة من الصفر، سواء في الجوانب العسكرية والأمنية أو الإدارية بعد سقوط العاصمة، وواجهنا ولا يزال كثيرًا من التحديات على المستويين الأمني والاقتصادي، وحققنا نجاحات جيدة في هذه الملفات”، مشيرا إلى أن المناطق المحررة تحقق استقرارا معقولا على كل الأصعدة، ومن يعرف وضع هذه المحافظات قبل عامين يدرك الفارق الكبير الذي تحقق.. وتابع “ليس أمرا هينا، أن تبني دولة من الصفر، وأن تؤسس لكل الهياكل الإدارية والعسكرية والأمنية بعد انهيارها بصورة تامة، لقد أسسنا جيشا وطنيا كاملا، وأسسنا منظومة أمنية كاملة من اللاشيء، وأعدنا العمل في جميع المؤسسات الحكومية، ونواجه أزمات اقتصادية عاصفة، ونقوم بمعالجتها بصورة مستمرة، عبر آليات وقرارات وهيئات، وعملنا على تخفيفها بالتعاون مع أشقائنا في التحالف”.
وحول رؤيته لـ “اتفاق الحديدة”، الذي تم التوصل إليه في “مشاورات استوكهولم”، قال الرئيس اليمني “نحن نعمل دومًا من أجل السلام، ونستنفد كل الفرص المتاحة نحو السلام الذي ننشده، وقدمنا في سبيل ذلك العديد من الجهود، استجابة لمسئوليتنا التاريخية أمام الشعب اليمني، ومن أجل التخفيف من معاناته أولا، وثانيا استجابة لمساعي الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن وجهود المجتمع الدولي، وقبل كل ذلك دور الأشقاء في دول التحالف العربي”.
وردا على سؤال عما إذا كان نجاح “مشاورات استوكهولم” يعني أن الحل العسكري في اليمن انتهى وأن الفترة المقبلة فترة الحلول السياسية، أوضح الرئيس اليمني “لقد شاركنا في كل جولات السلام وقدمنا الكثير من التنازلات، ذهبنا وأيادينا ممدودة للسلام في السويد وقبله في محطات عدة في جنيف وبيل والكويت، لحقن الدماء وعودة الحياة والأمن والاستقرار لربوع الوطن، لتحقيق السلام المرتكز على المرجعيات الثلاث، المتمثلة في المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الأممية ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار 2216، وذهب وفدنا الوطني للمشاورات، حاملًا معه قضية وطن ومصير شعب، ومشروع بناء الدولة الاتحادية الجديدة، والمدعوم وطنيًا وإقليميًا ودوليًا، وبمرجعيات الحل السياسي الثلاث”.
وأضاف هادي “أن رؤيتنا للوضع تتلخص في أن بلادنا كانت تمضي في طريق سياسي انتقالي بعد المبادرة الخليجية، التي تم التوافق عليها بعد الأحداث التي شهدها اليمن في العام 2011، وكانت البلاد كلها تمضي وفق هذه المبادرة التي اقترحت مسارًا سياسيا واضحا، يبدأ بنقل السلطة، وينتهي بحوار وطني يفضي إلى دستور وانتخابات”.
وأوضح “أن هذه العملية تم قطعها عبر انقلاب شامل تم بعد أن أنجزنا حوارًا وطنيًا مع كل أطراف العمل السياسي في اليمن، وتم إعداد مسودة الدستور تمهيدًا للاستفتاء عليه وإجراء الانتخابات”، مؤكدا أن هذا الانقلاب الذي أوقف الحياة السياسية وصادر الدولة ونهب السلاح والمال العام ومزق المجتمع، يجب أن يتوقف وينتهي، لتعود الحياة السياسية وتستقر الحياة.
وتابع الرئيس هادي “هذه هى رؤيتنا التي أقرتها القرارات الدولية، وأكدتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وهى مقتضى المسار السياسي الذي تم التوافق عليه في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”.
وأكد أن تداعيات الحرب الانقلابية للميليشيات الحوثية – الإيرانية، ألحقت أضرارًا جسيمة باليمن وطنًا ومجتمعًا، والتي طالت تداعياتها الأبرياء والعزل من الأطفال والنساء، الذين هجرتهم الميليشيات من مدنهم ومناطقهم وقتلت آباءهم في حربها الإجرامية التي استباحت معظم محافظات الوطن لفرض تجربة دخيلة بقوة السلاح، وبدعم مادي وعسكري من قبل إيران، مشيرا إلى أنه لتجاوز ذلك وللحد من تداعياته بعد تحرير معظم محافظات الوطن “نعمل جاهدين في إطار مسئولياتنا تجاه شعبنا لإنهاء تلك المعاناة التي تسببت بها الميليشيات الانقلابية”.
وقال الرئيس هادي “نحن نعمل بكل ما أوتينا من إمكانات وموارد لمواجهة التحديات المعيشية والخدماتية وتطبيع الأوضاع الأمنية، ومحاربة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله في ظروف صعبة ومعقدة”، مؤكدا أن الوضع الإنساني في اليمن يتطلب حتمًا ضغط المجتمع الدولي على إيران، ابتداء بوقف تدخلاتها في الشئون اليمنية، واحترام السيادة الوطنية، وانتهاء بالتوقف عن تهريب الصواريخ للميليشيا، التي تستهدف بها الأشقاء في السعودية، في انتهاك سافر لقرار الحظر الدولي.
وأضاف هادي “لقد أحكمنا السيطرة على الحديدة، وكان باستطاعتنا طرد الميليشيات في عمق المدينة وتحرير الميناء، لكننا فضلنا إعطاء فرصة لتسلمها سلميا عبر آليات الأمم المتحدة، في تنفيذ القرارات بطريقة سلمية، للمحافظة على المدينة والميناء والحفاظ على المدنيين.. إن البنى التحتية للدولة مسألة نضعها في الحسبان، لقد حصلنا في اتفاق استكهولم على نصوص واضحة مبنية على القانون الدولي واليمني، وهى في المحصلة تؤدي لعودة الحكومة الشرعية لبسط نفوذها على المدينة”.
وتابع هادي”نحن في مرحلة اختبار حقيقي للإرادة الدولية في تنفيذ قراراتها والتزاماتها بتسليم الحديدة، ولا شك أن المسألة اليوم متعلقة بمدى استجابة الانقلابيين للسلام وتطبيقهم للاتفاقات، وإذا ما فشلت هذه الجهود، فإننا لن نتخلى عن أي شبر في اليمن قبل عودته لحضن الدولة”.
وأشار إلى أن الميليشيات الحوثية عبثت بالمساعدات القادمة للشعب اليمني، عبر ميناء الحديدة ومسار المساعدات الإنسانية، من خلال مصادرتها وبيعها للفقراء وتسخير عائداتها لمجهودهم الحربي.. وقال “هذا ما يجب أن نضع حدًا له، لضمان تدفق المساعدات لمستحقيها الحقيقيين، ووقف شحنات الأسلحة وقطع الصواريخ والألغام التي تزودهم بها إيران بأدواتها وأساليبها المختلفة لقتل الشعب اليمني وتهديد الأشقاء في الجوار”.
وردا على سؤال عما إذا كانت “مشاورات استوكهولم” والقرار الأممي 2451 تؤسس لحل نهائي للأوضاع في اليمن، قال الرئيس هادي “عمليا الحل السياسي بدأ منذ المبادرة الخليجية، ونحن على الدوام دعاة سلام ووئام، ونحمل هم شعب ومشروع وطن، يتوق للعيش في ظله وكنفه الجميع، بأمن وأمان، وعدالة ومساواة دون انتقاص، أو إقصاء أو تهميش لأحد”.
وأضاف “هذا مشروعنا الوطني المتمثل في اليمن الاتحادي الجديد، الذي كان ثمرة مخاض حوار وطني شامل، استوعب كل قضايا الوطن، وصاغ مخرجاته كل فئات المجتمع ونخبه المشاركة في الحوار الوطني، المتمثل في القوى والمكونات السياسية، والمرأة، والشباب، ومنظمات المجتمع المدني، بما فيهم الحوثيون أنفسهم قبل ارتدادهم عليه”.
وتابع هادي:”لقد خرجنا من خلاله بمسودة دستور اليمن الاتحادي الجديد، التي ارتد عليها للأسف تحالف قوى الانقلاب الحوثية، ومن خلفهم الداعم والموجه إيران وأدواتها، وفرضوا الحرب في اليمن، بهدف تنفيذ أجندتهم الدخيلة، ومن أجل ذلك استباحوا المدن وقتلوا وشردوا العزل الأبرياء من الأطفال والنساء، واستخدموا كل ترسانتهم العسكرية في تحقيق ذلك الهدف، بما فيها سلاح الطيران لقصف مقر الرئيس الشرعي في عدن، في سابقة خطيرة ودموية استخدمت كل ما تقدر عليه لتدمير البلاد”، مشيرا إلى أنه على الرغم من كل ذلك تعاملنا بمسئولية وإيجابية مع كل دعوات ومساعي السلام، انطلاقا من مسئولياتنا تجاه أبناء شعب اليمن”.
وقال هادي “لم يكن يتوقع الانقلابيون على الإطلاق عاصفة الحزم، أو تدخلًا عربيًا ودوليًا لصالح الشرعية، حتى عندما خرجت من الإقامة الجبرية، واتجهت لعدن قاموا بضرب القصر الجمهوري بالطائرات”.. موضحا أنه لو لم يكن التدخل العسكري لاستولى الحوثي على اليمن، وبعد أيام معدودة سنجد الطائرات الإيرانية في الجو، وفي كل المطارات اليمنية، ولكن كانت “عاصفة الحزم” هى مفاجأة للميليشيات الحوثية وإيران.
وأضاف الرئيس اليمني “لقد طلبت التدخل من الأشقاء في المملكة العربية السعودية، بعد أن وصل الحوثي لعدن، كنت قد وقعت حينها أمام أمرين، إما أن أطلب تدخلا أو أن أسلم اليمن لإيران، ولم يكن أمامي أي خيار آخر، لأن تسليم اليمن لإيران لا يعني نهاية اليمن، بل يعني وضع المنطقة بكاملها في دائرة الخطر”.
وأكد أن قرار “عاصفة الحزم” مثل أفضل قرار عربي في تاريخ أمتنا وهويتنا العربية، وكان قرارًا شجاعًا اتخذه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو قرار إستراتيجي لا ينقذ اليمن فقط، بل يوحد المنطقة ككل في وجه التطاولات الإيرانية، مشيرا إلى أنه لو كان هناك أي تأخر في اليمن لكانت المنطقة ككل ستدفع الثمن، كما أن هذا القرار كشف أوراق إيران أمام جميع دول العالم.
وردا على سؤال حول رؤيته لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال اليمن، أوضح الرئيس هادي “علاقتنا الراهنة مع الإدارة الأمريكية الحالية في عهد ترامب ممتازة جدًا لدعمها للشرعية ورفض أن يكون للحوثيين أي نفوذ أو مطالب، وتصنيفهم كجماعة إرهابية، بالإضافة إلى رفض أي توسع لإيران في الشرق الأوسط، وتعاوننا وثيق في ملف مكافحة الإرهاب”.
وأضاف هادي قائلا “نحن نثمن هذه المواقف الأمريكية في مواجهة التدخلات الإيرانية التي تهدد استقرار المنطقة والأمن والسلم الدوليين”.