شهدت مدن الجزائر احتجاجات عارمة وتظاهرات غاضبة، منذ إعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة، وتسارعت الأحداث، إلى أن أعلن بوتفليقة اليوم الإثنين، أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
من المعروف أن الرئيس الجزائري الذي حكم البلاد على مدار الـ20 عاماً الماضية، كان يوصف من قبل الكثيرين برجل المصالحة الوطنية الذي جلب السلم للجزائر بعد الحرب الأهلية التي شهدتها بين 1991 و2002، إلا أن هناك الكثير من الأمور التي لابد من التذكير بها هنا.
إذ أن بوتفليقة لم يظهرفي أي مناسبة علنية، منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013، أقعدته وأفقدته القدرة على الكلام، فمن هو الرئيس الجزائري المثير للجدل، الذي لعب دوراً كبيراً في حرب التحرير الجزائرية من 1954 إلى الاستقلال في 1962؟
نبذة تاريخية
ولد عبد العزيز بوتفليقة في 2 مارس 1937 بوجدة المغربية، في أسرة تتحدر من تلمسان بشمال غرب الجزائر. وكان معروفاً في مراهقته بميله ودفاعه عن القضايا الوطنية، فالتحق منذ نهاية دراسته الثانوية، بصفوف جيش التحرير الوطني 1956، للقتال ضد الاستعمار الفرنسي.
لم يتزوج عبد العزيز بوتفليقة ولم ينجب أبناءً.
الهواري بومدين وعبد العزيز بوتفليقة في لقاء بموسكو مع مسؤولين سوفيات عام 1965
في 1961، أوفده قائد أركان جيش التحرير الوطني آنذاك، هواري بومدين الذي أصبح رئيساً للبلاد لاحقاً، في مهمة سرية إلى قلعة أولنوا بفرنسا، أين كان يقبع قادة الثورة الخمسة التاريخيون المسجونون، لإقناع أحدهم بالانضمام إلى معسكر بومدين في صراعه ضد الحكومة الجزائرية المؤقتة، بقيادة يوسف بن خدة.
بداية الدور السياسي
بعد استقلال الجزائر في 1962، تخلى عبد العزيز بوتفليقة عن الحياة العسكرية التي ارتقى فيها إلى رتبة رائد، فتقلد العضوية في أول مجلس تأسيسي وطني في 1962، ثم أصبح وزيراً للشباب والسياحة في أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال.
وفي 1963، حظي بعضوية في المجلس التشريعي، وعُين وزيراً للخارجية في العام نفسه.
كان لبوتفليقة دور فاعل مشهور في تلك الفترة، فمثل بلاده في رئاسة الدورة الـ29 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 1974، والتي صادقت فيها الجمعية العامة على القرار 3236 الذي يؤكد حقوق الشعب الفلسطيني.
بقي بوتفليقة وزيراً للخارجية إلى 1979 بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، الذي كانت تربطه به علاقة قوية منذ فترة الثورة.
لكن، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وانقلبت الأمور في نهاية السبعينيات على بوتفليقة، فاضطر إلى العيش خارج البلاد بين الخليج وسويسرا.
وفي 8 أغسطس 1983، أصدر مجلس المحاسبة حكماً يدين بوتفليقة باختلاس أموال عمومية تتجاوز قيمتها 60 مليون دينار جزائري آنذاك.
العودة إلى الساحة
وبعد نحو6 سنوات، عاد بوتفليقة إلى الجزائر وشارك في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني في 1989، وانتخب عضواً للجنة المركزية، وفي ديسمبر 1998 أعلن نيته الدخول في المنافسة الانتخابية الرئاسية بصفته مرشحاً حراً، إلا أنه كان مدعوماً من الجيش.
وبدعم من الجيش و وحزب جبهة التحرير الوطني، فاز بوتفليقة بالانتخابات الرئاسية في أبريل 1999 التي خاضها وحيداً بعد انسحاب 6 منافسين بسبب زعمهم وجود تزوير، تحت شعار “جزائر آمنة ومستقرة”.
كانت الجزائر تعيش يومها فترة عصيبة جداً سميت بالعشرية السوداء، التي اندلعت في 1992 إثر إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية في 1991. وخلف الإرهاب الأسود، الذي تورطت فيه حركات إسلامية إرهابية وليدة الجبهة الإسلامية للإنقاذ مثل الجماعة الإسلامية المسلحة”، والحركة الإسلامية المسلحة، والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح، وغيرها، في مقتل ما لا يقل عن 200 ألف جزائري وجزائرية.
رجل المصالحة
في سبتمبر 1999، أدى نجاح الاستفتاء الشعبي على قانون الوئام المدني الذي أصدره بوتفليقة إلى تخلي نحو 6 آلاف مسلح إسلامي عن القتال مقابل عفو مدني. وفي سبتمبر 2005، حظي “ميثاق السلم والمصالحة” الذي قدمه الرئيس الجزائري بدعم الناخبين في استفتاء شعبي، بنسبة تزيد عن 90%، ما أدى إلى إدماج نحو ألفين من المسلحين الإسلاميين في المجتمع الجزائري بعد تخليهم عن العنف.
إعادة الانتخاب
فازعبدالعزيز بوتفليقة بولاية ثانية بعد حملة انتخابية شرسة، في أبريل 2004، واجه خلالها رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، وحصل بوتفليقة على 84.99% من أصوات الناخبين.
وفي انتخابات 2009، أُعيد انتخابه لولاية ثالثة بـ 90.24%، وبعد تعديل دستوري في 2008، ألغى حصر الرئاسة في ولايتين.
مرضه.. وولايته الرابعة
تعرض بوتفليقة إلى وعكة صحية في 26 نوفمبر 2005، نُقل على إثرها إلى المستشفى العسكري الفرنسي فال دوغراس، مكث شهراً وخمسة أيام، أجريت عليه عملية جراحية “لعلاج قرحة في المعدة” حسب السلطات الرسمية الجزائرية.
وفي 27 أبريل 2013، أصيب الرئيس بجلطة في الدماغ، نُقل على إثرها إلى المستشفى الفرنسي ذاته، وبقي فيه حتى 16 يوليو 2013، تاريخ عودته إلى الجزائر على كرسي متحرك.
ورغم تشكيك الكثيرين في قدرته على ممارسة صلاحياته رئيساً للدولة وقائداً أعلى للقوات المسلحة، ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة في 2014، وفاز بها بنسبة 81.53% بعد حملة انتخابية أدارها بالنيابة عنه أعضاء الحكومة ومسؤولون حزبيون.
وفي فبراير 2016، أصدر بوتفليقة قراراً يعيد تحديد رئاسة الجمهورية بولايتين على الأكثر، وهو ما صادق عليه البرلمان.
ولاية خامسة.. وثورة الشباب
وفور إعلان عبدالعزيز بوتفليقة نيته الترشح لولاية خامسة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، شهدت مدن الجزائر انتفاضةً وغضباً عارماً، منذ 22 فبراير، واحتج الآلاف على قراره، وطالبوه بالتنحي.
واليوم الإثنين، أعلن الرئيس الجزائري تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل، وعزوفه عن الترشح لعهدة خامسة.
وقال بو تفليقة: “لا مجال لعهدة خامسة”، مشيراً إلى “تشكيل ندوة وطنية تقر إصلاحات وتحدد موعد إجراء انتخاب لن أترشح له بأي حال من الأحوال”.