أعلنت الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى نتائج المشروع البحثي” تكلفة التطرف والإرهاب في مصر في ثلاثة عقود” الذي نفذته وزارة التضامن الاجتماعي بالشراكة مع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وذلك خلال الجلسة النقاشية التي عقدت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وذلك بحضور أعضاء المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ونخبة من الخبراء والمتخصصين.
وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أن فكرة هذا البحث جاءت بتوجيه من رئيس الجمهورية إلى الحكومة، بضرورة إجراء بحث وطني متكامل يرصد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية التي تكبدها المجتمع المصري بفعل موجات التطرف والإرهاب التي مرت على مصر فى الثلاثة عقود الأخيرة، وقد أوصى الرئيس بأن تٌنشر نتائج البحث بشكل جماهيري وإعلامي، من أجل أن يساهم هذا البحث في تثقيف المواطن والمواطنة المصرية بالثمن الفادح للتطرف والإرهاب على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وأن يساهم أيضاً في تنمية وعي المواطنين بتصورات وأساليب المواجهة الفكرية والمادية للتطرف والإرهاب بكافة أشكاله.
وأضافت القباج أن هذا البحث المهم هو ثمرة تعاون استمر ثمانية عشر شهراً ، بين وزارة التضامن الاجتماعي والمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، مثمنة الجهد المتميز لكافة أعضاء المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية برئاسة الدكتور خالد عكاشة مدير المركز على إنجاز هذا البحث، والهيئة العلمية للبحث برئاسة الدكتور جمال عبد الجواد وعضوية كل من سمير مرقص والأستاذ عبد الفتاح الجبالي والدكتورة هويدا عدلي و فؤاد السعيد والدكتور خالد حنفي.
وأفادت وزيرة التضامن الاجتماعي أن هذا البحث هدف إلى تناول قضايا التطرف والإرهاب الذي عانت منه مصر منذ عقود طويلة في إطار رؤية سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية شاملة، تبحث في الأسباب والجذور وتمتد لتقديم استراتيجيات لمواجهة التطرف والإرهاب في إطار شراكة فاعلة بين كافة المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، مشيرة إلى أن هذا البحث تميز بعدة أمور أهمها تناول قضايا التطرف والإرهاب من منظور شامل ومتعدد الأبعاد “الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية”، على اعتبار أن الإرهاب المادي يبدأ بالعنف الفكري والتشدد، ثم يتمدد في جميع مفاصل ومؤسسات الدولة والمجتمع، كما رصد التكاليف الاقتصادية الباهظة التي تكبدتها الدولة المصرية جراء الهجمات الإرهابية، وانعكاسها بشكل مباشر على إهدار موارد الدولة البشرية والمادية، وبشكل غير مباشر على النمو والتنمية الاقتصادية من خلال التأثير التتابعي المضاعف multiplier effects، ويؤثر الإرهاب أيضا على موارد الدولة من النقد الأجنبي من خلال التأثيرات على قطاعات الاستثمار والتجارة الخارجية والسياحة، ويقدر البحث إجمالي التكاليف التي تحملتها الدولة والقطاع الخاص كخسائر في قطاع السياحة خلال الفترة 2001- 2018 تقدر بما يقرب من 208 مليارات دولار أمريكي، كما يقدر البحث التكلفة الاقتصادية المترتبة على العمليات الإرهابية بالنسبة للناتج المحلي بـ 385 مليار جنيه في الفترة من 2011-2016.
وأوضحت القباج أن البحث رصد التكلفة الاجتماعية من خلال اعتماد المنهج العلمي وأدوات البحث الاجتماعي في رصد العلاقة بين الفقر “متعدد الأبعاد” والتهميش الاجتماعي من جهة، والتطرف والإرهاب من جهة أخرى، وذلك من خلال تحليل البيانات القومية ذات الصلة والأبحاث الميدانية التي أُجريت في عدد من المحافظات المصرية التي عانت من التطرف والأحداث الإرهابية، وقد أثبت البحث أن الفقر بأبعاده المختلفة والتهميش الاجتماعي يوفران بيئة حاضنة دافعة للتطرف والإرهاب، هو ما يُعرفان في أدبيات هيئة الأمم المتحدة بقوى الدفع “pushing factors”، إلا أن الفقر والتمهيش الاجتماعي وحدهما لا ينتجان التطرف والإرهاب، فهناك قوى جذب “ pulling factors” تلعب دوراً تعبوياً في ضم الأفراد الذين يعانون من الفقر والتهميش إلى جماعات التطرف والإرهارب، وتتمثل هذه القوى في البنية الفكرية والايديولوجية الدينية المتشددة والتكفيرية لجماعات الإسلام السياسي التي انتشرت في المناطق الفقيرة في العقود الثلاثة الماضية، وكذلك العمل الاجتماعي لتلك الجماعات، والذي تم توظيفه سياسياً في المناطق المحرومة تنموياً، واستغلال الظروف النفسية والعائلية السلبية لبعض الأشخاص لدمجهم في الجماعات الإرهابية.
وأشارت إلى أن التكلفة الاجتماعية تركزت في تهديد الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وقد أثبت البحث من خلال أدوات البحث الميداني أن المجتمعات التي ضربها التطرف والإرهاب، قد عانت من تراجع حاد في التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية العابرة للانتماء الديني بكل ما تمثله من إضعاف الثقة المتبادلة بين أبناء المجتمع وإضعاف شبكات التفاعل الاجتماعي والقدرة على التعاون المجتمعي، كما اهتم البحث بالإعاقات التي شكلها التطرف والإرهاب للمجتمع المدني والجمعيات الأهلية، والمتعلقة بتغلغل الأفكار والممارسات المتطرفة في بعض قطاعاته، لتعبئة المجتمعات المحلية لتكون حاضنة للتطرف والتشدد الديني والاجتماعي، وتمثل هذه القضية أهمية قصوى بالنسبة لوزارة التضامن الاجتماعي المنوط بها تشجيع وتحفيز الجمعيات والمؤسسات الأهلية للعب دور أكبر في التنمية الاقتصادية والثقافية والمدنية للمجتمع المصري، وفي بناء شراكة فاعلة مع الحكومة والقطاع الخاص من أجل تحقيق التنمية المستدامة .
وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أنه في إطار التكلفة السياسية ، فقد أثبت البحث أن التطرف والإرهاب قد عطل مسيرة تطور الدولة الوطنية الحديثة في مصر، والتي نشأت على أكتاف وتضحيات المصريين جميعاً في السنوات المائتين الماضية، وتمثلت التكلفة السياسية في فرض التشدد على المجتمع المصري في أربعة مجالات هي : تقويض الطبيعة المدنية للمجال العام، وتقسيم المجتمع السياسي عبر إنشاء مجتمع وسلطة موزاية، ونشر ثقافة مناقضة لقيم الدولة الحديثة تسعى لإقامة دولة “دينية متشددة بديلة”، وإضعاف الحياة السياسية والحزبية، مشددة على أنه وبالرغم من ضخامة التكلفة الاقتصادية للإرهاب المادي على موارد الدولة ونموها الاقتصادي، إلا أن التكلفة السياسية والاجتماعية، كانت أكثر فداحة وأعمق تأثيراً في تعطيل تطور الدولة، وفي تهديد التماسك المجتمعي والتكامل الوطني، وهي تكلفة لا يمكن تقديرها بثمن، كما وضع البحث استراتيجيات شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب على أساس علمي موثق، وكذلك البناء على المبادرات التنموية الرئاسية والحكومية الراهنة مثل: مبادرة حياة كريمة، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك من أجل بناء نموذج للمواجهة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الشاملة، وتعظيم الفائدة والاستمرارية في اقتلاع جذور التطرف والإرهاب من بلدنا.
وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أن الجزء الخاص في البحث، والمتعلق بسياسات مواجهة التطرف والإرهاب، يمثل خارطة طريق متكاملة للحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لإنتاج رؤى وسياسات وآليات تكون محلاً للتوافق بين القطاعات الثلاثة، وتقديم معالجات هيكلية للمحفزات الدافعة والجاذبة للتطرف والإرهاب، وذلك في إطار استدامة جهود مكافحة التطرف والإرهاب عبر تكريس نموذج قيمي وثقافي يُجذْر المواطنة والاعتدال واحترام التنوع، ونموذج تنموي احتوائي ينشر الفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية بين كافة المواطنين.
وأشارت إلى أن وزارة التضامن الاجتماعي تضع قضايا الوعي الاجتماعي على قائمة أولوياتها ، فقد أسست منذ أكثر من عامين برنامجاً خاصاً لتعزيز الوعي المجتمعي بالقيم والممارسات الإيجابية ومكافحة كل الظواهر السلبية في المجتمع “برنامج وعي “، وبرنامج آخر “لتعزيز قيم المواطنة واحترام التنوع بكافة أشكاله” ، إيمانًا منها بأن تنمية الوعي الاجتماعي والوطني هما دافعان أساسيان لانطلاق التنمية المستدامة في هذا الوطن ، بالإضافة إلى برنامج ” لم الشمل ” في المحافظات الحدودية، وبرنامج تدريب المجتمعات المحلية، كما تقوم الوزارة بدمج كافة قضايا الوعي الاجتماعي وقيم المواطنة وحقوق الإنسان في برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، وبرامج دعم الجمعيات الأهلية، وبرامج المتطوعين والرائدات الاجتماعيات ومكلفات الخدمة العامة، كما تسعى الوزارة لتعميق الشراكة مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات الدينية من أجل مواجهة كافة أشكال التطرف والإرهاب الديني والاجتماعي.
واختتمت وزيرة التضامن الاجتماعي كلمتها قائلة:” إنني أعتبر هذا البحث إضافة فكرية واستراتيجية مهمة في طريق سعي مصر الدؤوب لاقتلاع جذور التطرف والإرهاب، وبناء أركان الجمهورية الجديدة القائمة على قواعد وقيم المواطنة والتنمية المستدامة.. ولا يسعني، إلا أن أهدي هذا البحث وكل جهوده الرامية إلى مواجهة التطرف والإرهاب إلى شهداء مصر الأبرار من الجيش والشرطة والمدنيين، الذين سالت دماؤهم الذكية لتسقي أشجار الحياة والحرية والكرامة في هذا الوطن”.