الحديث الآن فى العالم عن الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته وتوقعات تطوره، بين التشاؤم والتفاؤل، كل التوقعات قائمة، فالذكاء الاصطناعى هو نتاج التطور الهائل فى التقنيات وعالم الكمبيوتر الذى بدأ منذ بدايات القرن العشرين وشهد على مدار القرن الماضى قفزات انتهت إلى أن يحل الجهاز مكان البشر، التشاؤم يأتى ليس من الذكاء الاصطناعى والتقنيات، لكن من توجهات ونيات بشرية تحمل أحيانا رغبات شريرة.
كل جهاز يمكن أن يستخدم فى الخير والشر بنفس الطريقة، فالطاقة النووية تولد كهرباء وتعالج الأورام وتستعمل فى تشخيص الأمراض وعلاجها، لكنها تستخدم فى القنابل النووية التى تدمر وتسحق وتحرق، الذكاء الاصطناعى يمكنه تطوير عملية تشخيص الأورام، بنفس القدر الذى يمكنه إنتاج أسلحة بيولوجية، بكتيريا وفيروسات قاتلة ومدمرة. يمكن للذكاء الاصطناعى تسهيل عمليات التعلم عن بُعد وإنجاز مهام الترجمة والتواصل مع آلاف البشر فى وقت واحد، لكنه أيضا يهدد وظائف البشر، ويمكن للروبوتات أن تقوم بأعمال لا يستطيع البشر القيام بها، وفى نفس الوقت يمكن أن تسيطر على وظائف البشر، وتقلل من فرص العمل المتاحة.
أصبح الذكاء الاصطناعى مصطلحا شاملا للتطبيقات التى تؤدى مهاما معقدة كانت تتطلب فى الماضى كثافة بشرية مثل التواصل مع العملاء، ويستخدم غالبا هذا المصطلح بالتبادل مع مجالاته الفرعية، والتى تشمل التعلم الآلى والتعلم العميق.
وعلى مدى سنوات كانت عمليات البحث فى جوجل وغيرها، أو ربط الرغبات بالتسويق فى مواقع التواصل، وغيرها هى نتاج توظيف الذكاء الاصطناعى، وتظهر المخاوف من إنشاء أنظمة تتعلم أو تحسّن من أدائها استنادا إلى البيانات التى تستهلكها، فتتحول إلى كائنات ذاتية تسعى للسيطرة على العالم مثلما ظهر فى عدد من الأفلام والدراما، التى يسيطر فيها الروبوتات على العالم، بجانب مخاوف من القدرة على إحداث نقلات خطرة فى الحروب، وأسلحة أكثر فتكا، ويمكن أن يحدث تغييرات فى النزاعات المسلحة وفى المنافسة على النفوذ فى العالم، وأن دولا مثل الصين تستثمر بشكل هائل فى الذكاء الاصطناعى لدرجة أنها قد تتمكن من تغيير ميزان القوى فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ وربما أبعد من ذلك، بما قد يعيد تشكيل النظام العالمى الذى هيمنت عليه لفترة طويلة الولايات المتحدة.
الاتحاد الأوروبى أعلن قبل مدة إصدار تشريع غير مسبوق على المستوى العالمى لتنظيم الذكاء الاصطناعى، وأعلن المفوض المكلف بالشؤون الرقمية الفرنسى عبر منصة إكس، التوصل إلى «اتفاق سياسى» بشأن تشريع يهدف إلى تشجيع الإبداع فى أوروبا فى هذه التكنولوجيات المتقدمة، مع الحد من إساءة استخدامها المحتملة، ويصبح الاتحاد الأوروبى أول قارة تضع قواعد واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعى، وأن إقرار «قانون الذكاء الاصطناعى» جاء استجابة للظهور السريع لهذه التكنولوجيا، وخاصة إطلاق برنامج chatbot الشهير ChatGPT أواخر عام 2022.
لكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى التوليدى، يمكنها إنتاج النصوص والصور والصوت بناءً على تعليمات بسيطة، وهو ما يمكن أن يساهم فى تطوير أداء الإعلام، وفى نفس الوقت يحمل تهديدا لسلطة الإعلام البشرى، بجانب مخاوف من تطوير أدوات التزييف للصوت والصور واستعمالها فى النصب أو السرقة أو التلاعب.
الشاهد فى كل هذا أن نيات البشر هى التى تحكم توجهاتهم، واستعمال الذكاء الاصطناعى، ليكون وسيلة لخدمة البشر، أو للحروب والصراعات، ليكون سلاحا مزدوجا تحركه نيات البشر ورغباتهم.