كتب الصحفي أكرم القصاص مقال بعنوان ( أسانج ويكليكس.. وقائع تجسس معلن فى عصر المعلومات ) جاء كالتالي :
لا يتوقع أن يؤدى القبض على جوليان أسانج، مؤسس ويكليكس، إلى الكشف عن جديد فيما يتعلق بالقصة التى بدأت قبل تسع سنوات، عندما نشر أسانج وثائق تتعلق بأوراق وتقارير وتسجيلات من سفارات أمريكا حول العالم، نجح فى العثور عليها باختراق أنظمة المعلومات الأمريكية، وكان النشر كاشفا وليس منشئا لأسرار معلنة.
جوليان أسانج وإدوارد سنودن، نموذجان لعصر المعلومات، حيث تتراجع الأسرار وتصبح أعمال أجهزة التجسس أقرب للعمل العلنى، ويبدو أسانج وسنودن أحيانا مجرد أوراق لعب فى حرب باردة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تتهم واشنطن مؤسس ويكيليكس بالإضافة لتسريب أسرار، بالتعاون مع روسيا فى التدخل بانتخابات 2016، واقتربت الاتهامات من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وإن كان الديمقراطيون عجزوا عن تقديم أدلة على اتهاماتهم.
عندما ظهر جوليان أسانج 2010 أحدث زلزالا، خاصة بعد نشر آلاف المراسلات من سفارات أمريكا حول العالم على موقع «ويكيليس» حول غزو العراق، وقصف أفغانستان، واتصالات أمريكية بالحلفاء ووجهات نظر السفارات فى الدول التى تعمل بها.
وثائق أسانج أثبتت ما كان معلوما عن أعمال السفارات الأمريكية، بل إن نشر تفاصيل سرية عن أنشطة استخبارية أمريكية لم يقدم أى نوع من الاعتذار أو التراجع، حتى عندما تضمنت الوثائق تفاصيل عن مقتل المدنيين والصحفيين وإساءة معاملة وتلاعب المقاولين وتحالفات بين المؤسسة العسكرية وشركات المقاولات، بل إنها كشفت عن متعاونين محليين مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية فى دول مختلفة، وهو ما تعتبرهم الولايات المتحدة مضرين بأعمال أجهزتها، فضلا عن أنه يضر العملاء فى بلادهم.
القبض على أسانج فى لندن قد ينتهى بتسليمه للولايات المتحدة، وإن كانت لندن أعلنت أنها ستوفر محاكمة عادلة لأسانج فيما يتعلق باتهامات سويدية لمؤسس ويكيلكس باعتداءات جنسية نفاها فى وقتها واعتبرها خطوة لتسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث يواجه اتهامات بإفشاء أسرار فيدرالية والتجسس والاختراق، فضلا عن اتهامات لاحقة من قبل الحزب الديمقراطى.
الديموقراطيون اتهموا روسيا علنًا باختراق أجهزة الكمبيوتر التابعة للحزب ونشرها من خلال ويكيليكس، روسيا بدورها سخرت من الاتهامات الأمريكية، وقال الرئيس الروسى فلاديمير بوتسين: إن أمريكا كانت تتدخل فى كل انتخابات بالعالم ومنها الانتخابات الروسية، روسيا أيضا انتقدت القبض على أسانج.
موسكو أيضا تحتضن إدوارد سنودن، الموظف السابق لدى وكالة الأمن القومى الأمريكى الذى حصل على اللجوء السياسى فى روسيا بعد تسريبه وثائق سرية حول برامج المراقبة الأمريكية فى جميع أنحاء العالم عام 2013، وكان سنودن يعمل ضمن برنامج اعتراض ومراقبة الاتصالات عن طريق برامج مصممة لذلك، وكشف عن تجسس الولايات المتحدة على حلفاء وخصوم، بل وارتكاب جرائم تصفية لبعض من تم التجسس عليهم، بل إن سنودن كشف عن أن التجسس الأمريكى على المكالمات تم توظيف نتائجه لأغراض تجارية ضد منافسين.
كل هذا يدفع بعض المحللين لاعتبار أسانج وسنودن أوراقا فى لعبة التجسس بين روسيا وأمريكا، وتدخل بريطانيا على الخط بإلقاء القبض على أسانج من سفارة الإكوادور بعد إسقاط حق اللجوء الذى منحته لأسانج طوال أكثر من 8 سنوات، واتهمت السلطات الإكوادور أسانج بتجاوز الحدود والشروط الخاصة باللجوء.
بريطانيا تعتبر أسانج أحد جواسيس روسيا، وبالتالى تعتبر القبض عليه نوعا من الانتقام بعد اتهام لندن لروسيا بتسميم سيرجى سكريبال، الجاسوس الروسى الذى سجن فى روسيا بعد ثبوت تجسسه لصالح المخابرات البريطانية، وخرج ليعيش فى بريطانيا منذ 2010 بموجب صفقة تبادل جواسيس بين لندن وموسكو، وعثر على سكريبال وابنته فى حالة إغماء، واتهمت لندن المخابرات الروسية بمحاولة تسميم سكريبال وابنته، بغاز للأعصاب، وقد تعتبر لندن القبض على أسانج انتصارا على روسيا، ضمن لعبة تجسس أصبحت تدور علنا، وتحمل الكثير من التشابك والألغاز، لكن اللافت للنظر أن القبض على أسانج بالرغم من أنه أحدث دويا، لكنه لم يكن بقوة الضجة التى أثارها عندما أطلق لأول مرة الآلاف من الوثائق السرية ليقدمها للعالم، أنصاره اعتبروا أسانج أحد صناع المعرفة، بينما يراه آخرون ورقة فى زمن صراع تجسس معلن.