لا نحتاج إلى شواهد أو استطلاعات أو دراسات حالة أو جولات ميدانية لنؤكد أن الدولة المصرية بتاريخها الكبير والضارب فى جذور الحضارة فشلت فى مواجهة «تسعين دقيقة من الأمطار»، نعم، ساعة ونصف الساعة فقط، كانت كفيلة بأن تكشف هلاك البنية التحتية فى القاهرة، ومناطق أخرى من الجمهورية.
ساعة ونصف الساعة فقط غرقت فيها الشوارع، وشُلت طرقات وميادين العاصمة. صار نفق العروبة، الكائن إلى جوار كبرى القصور الرئاسية ومؤسسات حساسة فى الدولة، إلى ما يشبه بحيرة ماء كبيرة. تأخرت حافلات المدارس التى تقل صغارنا لمدة أكثر من خمس ساعات. تقطع التيار الكهربائى فى عدة مناطق، واهتزت شبكات المحمول والإنترنت. المدينة بأكملها عادت قرنًا كاملًا إلى الوراء.
ما زاد الأمر كارثية هو خروج الحكومة بالأمس للاعتراف بفشلها فى مواجهة «ساعة ونصف الساعة من الأمطار» رغم التحذيرات التى أطلقتها هيئة الأرصاد قبلها بأيام، وكان التبرير غزارة حجم الأمطار، وتكلفة شبكات الصرف الخاصة بالمياه، ما شكّل صدمة للرأى العام، خصوصًا أن ما قالته الحكومة يتناقض كلية مع التصريحات المتوالية من بعض أعضائها بالإنجازات الإعجازية فى مجال البنى التحتية. ولعلنا نذكر تجارب المسؤولين واستعراضهم قدرة نفق العروبة على مواجهة الأمطار قبل أسابيع قليلة، وهو النفق الذى تحول إلى حمام سباحة، أمس الأول!.
هذه الكارثة تعيدنى مرة أخرى إلى الحديث عن فكرة غياب مجموعات «إدارة الأزمة» فى كل مؤسساتنا تقريبًا، وهى الفكرة التى لم أتوانَ لحظة فى المناداة بأخذها فى الاعتبار. من جديد أطالب بوجودها، لعل أحدًا يسمعنى فى هذا الأمر، ولا سيما أن كارثة الأمطار لم تكن الأولى خلال السنوات القليلة الماضية، ولنا فى أزمة منطقة «التجمع» والإسكندرية من قبلها أمثلة صارخة.
من العيب أن حكومة دولة بحجم مصر تخرج لتبرر فشلها فى مواجهة «ساعة ونصف الساعة من الأمطار»، مثلما من العيب أن تتكرر الأزمة كل سنة. وفى كل سنة ننتظرها فى السنة التى تليها.
قد يكون ما تحججت به الحكومة بالأمس صحيحًا حول اقتصاديات إنشاء صرف خاص بالأمطار فى مدن معظمها جافة بشكل عام، وبالتالى تظل جدواها الاقتصادية محل شك. ولكن هذا لا يخلص من مسؤولية الاستعداد الكافى لمثل هذه الأزمة، التى تَفاجأنا بها تمامًا كما يفاجئنا شهر رمضان. فى اجتماع تحرير الجريدة بالأمس، دار النقاش حول مدى دقة استخدام تعبير «الحكومة فى الشارع» فى العنوان الرئيسى، أظن أن المنطق الأقرب للاقتناع به أن وجود الحكومة فى الشارع ليس المعيار، ولكن المعيار هو ما الفائدة؟، وهل كان هناك فرق؟.